كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

د. عبد الله حنا: السلفية تيارات متعددة تختلف في الزمان والمكان

السلف في اللغة هو كلُّ زمن مضى. وعصرُنا اليوم سيصبح سلفاً بالنسبة للأجيال الماضية. وكل تيار من التيارات الفكرية السياسية له ماض وحاضر ومستقبل. والماضي هو سلف كل تيار وكل تكتل فكري او سياسي. وبهذا المعنى فالسلفيون لا يعيشون فقط في التيارات الدينية, كما هو شائع, بل إن حضورهم يُشاهد في كل مكان وحتى الماركسية أصبح لها سلفية. وعلى الرغم من ذلك فإن مصطلح السلفية مرتبط بالاسلام وبخاصة في عصوره الحالية.
والسلف كلمة اكتسبت عند التقليديين من رجال الدين معنى اصطلاحيا يُراد به القرون الهجرية الثلاثة الأولى. يضم الرعيل الأول منهم من عاصر الرسول, ويمثّل الرعيل الثاني التابعين والثالث تابعي التابعين.
والسلفية في معناها الاسلامي العام تُطلق على كل دعوة للإقتداء بالسلف الصالح والتمثل به في العبادات والمعاملات. وكانت مدرسة المنار 1898 لصاحبها الشيخ محمد رشيد رضا الممثلة الكلاسيكية للسلفية, التي اطلقنا عليها "السلفية التنويرية", التي أسسها جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده وسار على نهجهما رشيد رضا في مناره. مع الأخذ بعين الاعتبار أن المنار مرت بمراحل متعددة تراوحت بين السير على هدى الافغاني ومحمد عبده أو اتخاذ نهج محافظ تخلله الإنغلاق أحيانا أو الجمع بين منزلتين. والسلفية التنويرية كايديولوجية أصولية اسلامية تقوم بإعادة تقييم وتنشيط ماض السلف الصالح وقوامها الفكري يتموضع حول قضيتين رئيسيتين متلازمتين: إبطال التقليد وإعادة فتح باب الاجتهاد. وكان هذا التيار يعني عند محمد عبده تحرير الفكر من ربقة التقليد..
وتعني السلفية عموما العودة إلى ينابيع الإسلام الأولى, ورفض كل ما يرون أنه أُلصِقِ بالاسلام وليس من بين تعاليمه في شيء...
والسلفية ليست موحدة في تفكيرها عبر التاريخ. فثمة سلفية متحررة من الخرافة يقابلها سلفية جامدة محافظة. وهناك سلفية تعزز سلطان العقل ويقف في وجهها سلفية تتنكر للعقل..

والسلفيون النهضويون الأوائل لجؤا إلى محاولة خلق توازن بين "التحديث" والمحافظة على الهوية في مواجهة التحدي البورجوازي, الذي دفع بالحضارة الأوروبية صعدا نحو التقدم والرقي.
ونشير هنا إلى أن دعاة السلفية في بلاد الشام في اواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين، تحديدا في عصر السلطان عبد الحميد لعبوا دورا تنويريا واضحا ضد الطغيان والاستبداد السلطاني لعبد الخميد، ووقفوا في وجه دعاة التقليد والجمود وإبقاء البلاد غارقة في بحر الخرافات والأساطير.
ومرة أخرى نؤكد أن سلفية بلاد الشام في تلك المرحلة كانت خطوة أسهمت في التقدم والتحرر. أما سلفية هذه الأيام فهي تختلف اختلافا جذريا عن السلفية التنويرية المتاثرة بعصر النهضة في البلدين المتقدمين مصر وبلاد الشام.
وعلى أرضية هاتين السلفيتين نبتت حركة الإخوان المسلمين. مع الإشارة إلى ان حركة الإخوان المسلمين في مصر نهلت من سلفية صحراء نجد, في حين اتكأت حركة الإخوان المسلمين في سورية على "السلفية النهضوية الشامية"، التي تلقفت افكار محمد عبده وسارت على خطاها.
ويمكن القول ان حركة الاخوان المسلمين قامت على تبني المبادئ السلفية الكبرى وإعادةالتفكير فيها قصد بلورتها وتجذيرها ولكنها سارت في اتجاه الإيغال في الماضي وبحث سائر القضايا من منظار فترة زمنية محدودة تختلف ظروفها عن الواقع الاسلامي المعاصر. فسلفية الإخوان المسلمين في مصر هي إلغاء لحركة التاريخ ونقلة إلى الخلف بالنسبة للسلفية التنويرية.
أما التيارات السلفية المنتعشة هذه الأيام فهي تيارات تنهل من الماضي الدموي الأسود للسلاطين، وتُصاب بالعمى من الأنوار الانسانية لحضارتنا العربية الاسلامية. وترى في الحضارة العالمية الانسانية ضلالا يجب استئصاله بالسيف.