كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

سلمان المرشد في ذكرى وفاته

علاء الدين تلجبيني

 يقول أحمد نهاد السياف في كتاب «شعاع قبل الفجر»، لمؤلفه محمد جمال باروت:
«وكان صباح، وأيُّ صباح، عندما دخل عليَّ أحد موظفي الفندق في بيروت يحمل جريدة أُحيطت صفحتها الأولى بالسواد، وتوسطتها صورة لمشنقة ضمّت المحكومين الثلاثة يتوسطهم سلمان المرشد.
وانتشرت الأخبار تشيع أن رسلًا قد أمّوا دمشق موفدين من قبل الملك عبد العزيز آل سعود في طريقه إلى دمشق نفسها، وهي الشفاعة لسلمان. كما أن برقيات من جهات سياسية أخرى أُرسلت بهذا المعنى. وقد حاولت الوفود التوسط لدى فخامة الرئيس، لكنه استقبلها مبدياً أسفه لأنها جاءت متأخرة بعد تنفيذ حكم الإعدام».
في مثل هذا اليوم، 16 كانون الأول/ديسمبر 1946، نُفِّذ حكم الإعدام في مدينة دمشق بسلمان المرشد، زعيم ومؤسس الحركة المرشدية، والنائب في البرلمان عن منطقة الحفّة، مع اثنين من أتباعه، وذلك بعد محاكمة علنية عُقدت في المكتبة الوطنية وسط مدينة اللاذقية
وجّهت إلى المرشد التهم الآتية:
ترؤس عصابة من الأشقياء المسلحين غايتها ضبط أملاك جمع غفير من الأهالي ونهبها والإغارة عليها.
التصدي لرجال الدرك والتسبب بمقتل عدد منهم.
قتل زوجته هلالة داود (أم فاتح) قصداً.
كما تضمن قرار الاتهام (التأمر على سلامة الدولة بالاتفاق مع دولة أجنبية (فرنسا) وحصوله على رشاشات و إثارته الطوائف).
يشير منذر الموصلي في كتابه البحث عن الحقيقة المرشدية وسلمان المرشد إلى أن قرار الاتهام بحق المرشد لم يتطرق إلى قضية «الربوبية» – التي طالما وُصم بها من قبل مناوئيه – كما أن المرسوم الجمهوري رقم 896 تاريخ 25 أيلول 1946، القاضي بتصديق إحالته إلى المجلس العدلي، لم يشر إلى هذه القضية من قريب أو بعيد. ويضيف أن هذه التهمة استُخدمت في عملية التعبئة والتحريض والاستعداء الإعلامي عبر الصحافة، ولا سيما الرسمية منها، قبل المحاكمة وأثناءها وبعدها.
يُذكر أن لقب «الرب» أُطلق عليه أول مرة من قبل ضابط فرنسي يُدعى ديلاتر، على سبيل السخرية، قبل أن ينتشر اللقب ويلتصق بشخصية المرشد ويتم تداواله بشكل واسع وروج لذلك جورج دكر في كتابه (مدعي الالوهية في القرن العشرين).
وقد تعامل الفرنسيون مع ظاهرة المرشد بوصفها فزّاعة في اتجاهين: حكومة دمشق من جهة، ووجهاء العلويين من جهة أخرى.
استغل الفرنسيون تلك الحركة الناشئة فوظفوها سياسيا في كل الاتجاهات
يقول حسان القالش في كتابه «قطار العلويين السريع»:
«كان وجود المرشد بمثابة فزّاعة يستطيع ارنست شوفلر(حاكم اللاذقية) من خلالها ابتزاز العائلات السنية المدينية والزعامات العلوية في الوقت نفسه، وأن يضمن حاجتهم له في حمايتهم من المرشد وكبح حركته المتنامية».
غير أن مخاوف أخرى دفعت الطبقة السياسية السورية لاحقاً إلى كبح جماح دعوة المرشد داخل جبال العلويين. ففي كتابه «العلويون في سوريا»، يذكر مايكل كير:
«في عام 1939 أثار المرشد حركة تمرد مع خمسة آلاف من أتباعه مزودين بأسلحة فرنسية قاومت سلطة الحكومة الوطنية التي هيمن عليها السنة. ظل المرشد معادياً لفكرة الاندماج، وحرّض على تمرد ثانٍ بعد استقلال سوريا عام 1946، فسحقت الحكومة الوطنية الحركة وأُعدم المرشد».
وفي السياق نفسه، يورد حسان القالش أن المرشد، بعد عودته من منفاه في الرقة، منع أفراد عشيرته من دفع الضرائب لحكومة دمشق التابعة لسلطات الانتداب، وأنشأ صندوق مال خاصاً بالعشيرة، وشق الطرقات في المناطق الخاضعة لسلطته، وألّف فرقة عسكرية خاصة سُمّيت «الفداي». كما واصل تحديه لسماسرة وتجار اللاذقية، ولشركة «إمبرييل» الإنكليزية و«الريجي» الفرنسية، ولا سيما فيما يتعلق بمحصول التبغ وتحديد أسعاره، فارضاً إرادته على جميع هؤلاء بعدما تحوّل إلى حاكم مطلق في منطقته. غير ان عبد الله حنا يورد بأن المرشد كان قد اعترف لمندوب صحيفة الأيام قبل صدور الحكم باسابيع قليلة أنه منذ تسع شهور قطع علاقته بكل ماهو اجنبي وكل مافيه المعارضة للحكومة و قال انه بات مخلصا لاستقلال سوريا و كان يحسن استقبال الدرك)
ويرى أحمد نهاد السياف أن المحاكمة كانت ذات طابع سياسي، وأن تنفيذ حكم الإعدام جاء نتيجة ضغوط وإصرار من السلطات البريطانية في سوريا وبريطانيا.
بعد وفاته تسلم نجله مجيب الإمامة من بعده وأصبح المرجع الاول للمرشدية والذي قتل في عهد الشيشكلي على يد عبد الحق شحادة قائد الشرطة العسكرية وانتقلت الولاية بعده الى شقيقه ساجي الذي توفي عام 1998 و لم يوص للولاية لأحد من بعده.
يختلف الكثيرون مع سلمان المرشد، ويتهم بأمور عديدة، ولكن يمكن تلخيص قضيته بأنه كان محرك أول ثورة اجتماعية تحررية في تاريخ سوريا الحديث.
كان موقف الحركة المرشدية من إعدام زعيمها هادئاً؛ إذ عزّى أتباعه أنفسهم بالقول إن ما جرى هو انتقال إلى حياة أخرى أسمى من الحياة على الأرض، وخلاص من شرورها. ويعبّرون عن موته أو إعدامه بقولهم إنه «سلّم نفسه عنا»، وهو ما تبرز فيه النزعة الخلاصية بوضوح، كما ينقل محمد جمال باروت عن نور المضيء، نجل سلمان المرشد.
خلاصة
يمكن قراءة إعدام سلمان المرشد بوصفه فعلًا سياسيًا استباقيًا، استهدف احتواء ظاهرة اجتماعية واقتصادية صعدت أسرع من قدرة الدولة والمجتمع على استيعابها. فقد أدى تمدد نفوذ المرشد في الجبل، وتأثيره المباشر في دورة الاقتصاد المحلي، واصطدامه بالمصالح الأجنبية والعائلات النافذة، إلى إعادة إنتاج مخاوف قديمة لدى حكومة دمشق من تفكك الكيان الوطني وعودة منطق الدويلات، ما جعل تصفيته تبدو، في نظر السلطة، ضرورة سياسية تتطلب حسما أكثر من كونها إجراءً قضائيًا.
المراجع
البحث عن الحقيقة لمرشدية وسلمان المرشد، ابو فاتح ل منذر الموصللي
شعاع قبل الفجر مذكرات احمد نهاد السياف ل محمد جمال باروت
قطار العلويين السريع ل حسان القالش
العلويين في سوريا ل مايكل كير
المرشدية في محيطها العلوي و أجواؤها السياسية والاجتماعية ل عبدالله حنا