كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حبش: دوافع التحالف مع واشنطن (مركّبة)

لقاء صحفي مع المرصد السوري لحقوق الانسان، أجرته الصحافية زهور المشرقي مع السياسي السوري مروان حبش
س- -أريد إجابة تفصيلية وموسعة — حول زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع الأخيرة إلى الولايات المتحدة وما ترتّب عليها من أسئلة سياسية واستراتيجية.
ج- مقدّمة قصيرة (ما الذي حدث فعلاً)
الرئيس أحمد الشرع، الذي تولّى السلطة في مرحلة انتقالية بعد سقوط نظام بشار الأسد، قام بزيارة إلى الولايات المتحدة والتقى رئيسها، وترافق ذلك مع قرارات غربية (بريطانيا والولايات المتحدة) برفع أو تخفيف بعض القيود والعقوبات عنه وعن وزير داخليته، وإزالتهما من قوائم الإرهاب التي أُدرجا عليها سابقاً. الزيارة وُصفت بأنها استعادةٍ لدور دبلوماسي لسوريا بعد سنوات عزل طويلة، وتلاه حديث عن «إمكانيات تعاون أمني واقتصادي» مع واشنطن.
س- لماذا اختار الشرع الحلف الأمريكي بدلاً من الحلف الروسي-الإيراني؟ وهل يحاول حماية نفسه؟
ج-
أ- دوافع التحالف مع واشنطن (مركّبة) منها:- -تخفيف العزلة الدولية وإزالة عقوبات — أول مصلحة عملية للرئيس الشرع هي كسر عزلة سوريا وتمهيد طرق للاستثمار وإعادة الإعمار. علاقة مع الولايات المتحدة تُسهِم بسرعة في رفع قيود مالية ودبلوماسية وسهولة الوصول إلى مصادر تمويل دولية (صناديق دولية، استثمارات عربية وأجنبية). الخطاب الرسمي للشرع ركّز على هذا البُعد أثناء زيارته.
-شرعنة الحكم وبناء مصداقية دولية — الشرع، الذي له ماضٍ مرتبط بجناح مسلّح سابقاً، سيستفيد سياسياً من لقاءات مع زعماء كبار وظهور على منتديات دولية (مثل الأمم المتحدة) لإضفاء هامش شرعية أكبر على حكمه داخلياً وخارجياً.
-فصل المصالح الأمنية الإقليمية — واشنطن مهتمة بقاعدة تفاهمات أمنية (منع عودة تنظيمات داعش، ضبط التهريب، وقف تحويل سوريا لمنصة لهجمات إقليمية)، والشرع يحتاج لقدر من الضمانات الأمنية لتثبيت سلطته والسيطرة على الفصائل المتشددة.
ب- لماذا ليس التحالف مع روسيا/إيران؟
روسيا وإيران سابقاً دعما نظام الأسد؛ علاقتهما بمن يطيح بالأسد تصبح أكثر تعقيداً: قد يُفرض على الشرع قيود داخلية أو مطالب ردّ جزئية (مثل قبول قواعد عسكرية أو نفوذ أمني معين). بالتحالف مع واشنطن يحقق الشرع توازناً بين اللاعبين، وقد يستفيد من تنافس القوى لِمَنافع سيادية واقتصادية. (هذا تفسير استراتيجي شائع في تحليلات الاعتدال السياسي)
س- هل يحاول حماية نفسه؟
ج- نعم، جزئياً،حماية نفسية وسياسية: رفع أسماء عن قوائم الإرهاب أو تخفيف العقوبات يقلل من خطر حصول ملاحقات دولية مستقبلية ويمنح الشرع درعاً دبلوماسياً.
حماية عملية: دعم أمريكي ،حتى لو كان محدوداً، يقلّل من احتمال عودة غارات دولية أو ضربات استهدفته أو استهداف شركائه، ويقدّم له غطاءً دبلوماسياً. تقليدياً القادة الذين يتحوّلون من ماضٍ مسلّح إلى حكّام يسعون إلى «ضمانات عدم ملاحقة» أو مساحات من الشرعية الدولية.
س- هل يمكن أن يوافق الشرع على وجود عسكري أمريكي وقواعد في سوريا؟ وما الضمانات التي أعطتها أمريكا؟
ج-
أ- إمكانية القبول بوجود عسكري أمريكي في سوريا
السيناريوهات العملية:
قاعدة أميركية دائمة واسعة، غير مرجّحة للغاية. الولايات المتحدة معروف عنها الحذر من إنشاء قواعد دائمة في دول معقّدة سياسياً إلا بمصلحة واضحة وكلفة سياسية مقبولة. وجود قواعد دائمة في سوريا سيثير معارضة إقليمية قوية (إيران وروسيا وإسرائيل وفاعليات محلية) ويتطلب استثماراً سياسياً كبيراً.
تواجد محدود أو مؤقت «مهمّات محددة»، أكثر احتمالاً. واشنطن قد توافق على نشر لقوات خاصة أو وحدات تدريب واستشارات لمكافحة بقايا داعش، حماية آبار نفط استراتيجية، أو قرب الحدود للتحكّم في تدفقات مسلحة، كل ذلك بشروط زمنية ومؤطرة باتفاقيات محددة.
تقارير وخطوط دبلوماسية أثناء الزيارات أشارت إلى حديث عن تعاون أمني ومكافحة الإرهاب أكثر من طلب قواعد موسّعة.
ب - الضمانات التي قدّمتها أمريكا مقابل التحالف؟ (تقديرات مستندة للوقائع والتقارير)
-رفع أو تخفيف العقوبات: الولايات المتحدة وبريطانيا أعلنتا إجراءات لإزالة أو تخفيف قوائم معينة والعقوبات عن الشرع وشخصيات حكومية، ما يشكّل حافزاً فورياً. هذا يُعدّ الضمان الأكثر وضوحاً والمرئي.
-اعتراف دبلوماسي وتطبيع تدريجي للعلاقات مثل: استئناف قنوات دبلوماسية، استضافة اجتماعات ثنائية ووصول الشرع إلى المنتديات الدولية (الأمم المتحدة)، وإمكانية فتح سفارات أو تعاون اقتصادي مباشر.
-تعاون أمني محدّد: دعم معلوماتي، تدريب، نقل خبرات لمكافحة الإرهاب والحدّ من إعادة تنظيم داعش. قد يشمل ذلك أيضاً ضمانات أمريكية بعدم التدخل المباشر ضد نظامه مادام يلتزم بشروط محددة (مثل طرد متطرفين أجانب أو العمل مع واشنطن ضد التنظيمات المتشددة).
-ضمانات سياسية/قانونية رمزية: وعود بعدم رفع قضايا دولية فوراً أو تسهيل عودة استثمارات عربية وغربية بخطوات تصاعدية. (هذه عناصر متكررة في اتفاقيات تطبيع مشابهة في مناطق أخرى).
-ضمانات غير مكتوبة/تفويضات إقليمية: دور الوساطة مع إسرائيل بشأن ترتيبات أمنية في الجنوب، أو دور أمريكي في تهدئة المواجهات بين سوريا وإسرائيل، كجزء من حزمة تبادل.
ملاحظات هامة: كثير من هذه الضمانات قد تكون «ضمنية» أو مرتبطة بشرطية (إجراءات مقابل إجراءات)، وليست عقداً ثابتا نهائياً— ولذلك فإن قدرة الشرع على التمسّك بها تتوقف على استمرارية التوازنات الإقليمية الداخلية والخارجية
س- ما التبعات المحتملة للتحالف على استقرار المنطقة
ج- التبعات ستختلف باختلاف المدى الزمني والسيناريو التنفيذي. أقدّم هنا سيناريوهات وتأثيرات رئيسية — موجبة وسالبة — مع تفسير لكل منها.
أ- تأثيرات قد ترفع الاستقرار (إيجابية)
-خفض الاحتكاكات العسكرية المباشرة: اتفاقات أمنية وتفاهمات مع إسرائيل (وساطة أمريكية) قد تقلّل من الغارات والاشتباكات في الجنوب، وتُجنّب التصعيد المفتوح.
-محاربة متبقيات داعش وعناصر الإرهاب: تعاون استخباراتي أممي أمريكي-سوري قد يعالج شبكات إرهابية متبقية ويمنع تجدد تهديد إقليمي.
-فرص لإعادة الإعمار والعودة التدريجية للاجئين: رفع عقوبات وفتح قنوات تمويل قد يساعد الاقتصاد ويخفف الضغوط الاجتماعية التي تؤدي للعنف.
ب- تأثيرات قد تقلّل الاستقرار (سلبية)
-ردود فعل روسيا وإيران: روسيا وإيران كانت فاعلين رئيسيين في سوريا؛ تحوّل واضح نحو واشنطن قد يُقابل بضغط سياسي، تسليحي أو ظهور توترات نفوذ (محاولة روسيا- إيران إعادة تأكيد وجودها عبر وكلاء أو استراتيجيات تقويض). هذا قد يولّد عدم استقرار إقليمي أو فترات احتكاك.
-تشرذم داخلي واحتكاكات مع الفصائل: تحالف الرئيس الشرع مع الغرب قد يُنظر إليه محلياً كخيانة من قبل بعض الفصائل الأكثر تشدداً أو من قبل شرائح طائفية- عرقية، مما قد يؤجج انتفاضات محلية أو حملات مسلّحة ضد الدولة المركزية.
-قضايا الأكراد واللامركزية: أي ترتيب يُعطي دمشق سيطرة أكبر على مناطق كانت تحت حماية أمريكية أو كانت بها قوى كردية، قد يؤدي إلى تصعيد ضد الأكراد إذا لم تُقدّم ضمانات أو حلول دستورية. تقارب الشرع-واشنطن يتطلب تسوية هذا الملف بذكاء وإلاّ فإن المنطقة الشمالية الشرقية معرضة للاحتكاك.
-تأجيج سباق النفوذ الإقليمي: دول إقليمية قد تستثمر ضد هذا التموضع (تمويل فصائل أو استخدام أدوات نفوذ)، ما يؤدي إلى حالة عدم استقرار منخفض الشدة تمتد لسنين.
ج- سيناريوهات متوقعة:
سيناريو معتدل (الأرجح مبدئياً): تعاون أمريكي-سوري محدّد أمنيّا واقتصاديا مع استمرارية دور إقليمي لروسيا وإيران لكن بحدّ أقلّ، استقرار نسبي لكن مع بؤر احتكاك محلية.
سيناريو تصعيدي: رفض روسيا/إيران أو استجابة فصائل داخلية بعنف تُحدث مواجهة إقليمية أو تُطيل حالة عدم الاستقرار.
سيناريو إيجابي طويل الأمد: تسوية شاملة (بما فيها حقوق الأقليات وضمانات للأكراد وتسوية الجولان إلخ.) تقود لتحسّن تدريجي واستقرار إقليمي — لكن هذا يتطلب سنوات وجهود دبلوماسية كبيرة
وإخيرا، ينبغي أن نتابع ما سيحدث
-مراقبة تفاصيل الاتفاقات الأمنية (مدة الوجود الأجنبي، نطاق العمليات، آليات الرقابة).
أملاحظة أي تعهدات اقتصادية ملموسة (قروض، برامج إعادة إعمار، استثمارات خليجية أو أوروبية).
-مراقبة ردود فعل روسيا وإيران والفاعلين المحليين (بيانات رسمية، حركات عسكرية أو دعم لوكلاء).
مراقبة ملف اللاجئين والأمن الداخلي: أي فشل اقتصادي أو أمني سيزيد من احتمالات العنف.
خاتمة موجزة
زيارة الشرع لواشنطن وتحالفه مع الولايات المتحدة يعكس مزيجاً من مصالح داخلية (تثبيت السلطة، إزالة العقوبات) وخارجية (شرعنة دولية، أمن إقليمي). الولايات المتحدة يمكن أن تقدم حوافز مهمة (تخفيف عقوبات، تعاون أمني، اعتراف دبلوماسي) لكنها لن تمنح قواعد عسكرية كبيرة بسهولة بدون ثمن سياسي وإقليمي. التبعات على الاستقرار إقليمياً ليست قطعية — يمكن أن تتحوّل إلى فرصة لتهدئة أو إلى سبب لتفاقم الصراعات إذا لم تُدار التوازنات الإقليمية والداخلية بحذر.