كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الإنتخابات الرئاسية الأمريكية.. والطفل المدلل إسرائيل

فادي الياس نصار- فينكس

تعتبر الانتخابات الرئاسية الأمريكيةالمُقبلة بأنها "واحدة من الأكثر تأثيراً في تاريخ الولايات المتحدة، حيث يحتدم التنافس فيها بين المرشحين "دونالد ترامب" و "كامالا هاريس" على الصوت اليهودي الأميركي (يوجد اليوم حوالي ثمانية مليون ناخب يهودي في الولايات المتحدة).
شكراً إسرائيلية لــ”ترامب”!
ليس مستغرباً، لا بل وطبيعي جداً، الشكر العميق الذي وجهه، عام 2019، رئيس وزراء الكيان الصهيوني “بنيامين نتنياهو”، الى الرئيس الأميركي الأسبق والمرشح الحالي للرئاسة الأميركية “دونالد ترامب” والذي أعلن حينها أنه “حان الوقت لتعترف أميركا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان”، فمنذ أن سارع الرئيس الأميركي هاري ترومان-الذي أمر بإطلاق قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، والمؤسّس الأوّل لحلف الناتو، للاعتراف بدولة “إسرائيل” عام 1948، لم يُقدم راعي البقر هديةً للصهيونية العالمية، أثمن من تلك التي قدّمها الرئيس “ترامب”.
نعم، لقد شكرت اسرائيل،ترامب، من أعماقِ أعماق قلبها، لأنه وخلال فترة تواجده في البيت الأبيض عمل، بجدٍ على تفكيك المنطقة (الشرق الأوسط)، تطبيقاً لمشروع “الشرق الأوسط الكبير”، مُتابعاً جهود سلفه من الرؤوساء الأميركيين، في تفكيك العراق وسوريا الى دويلات، ولإبتكاره طرقاً في تكبير وتضخيم الخطر الإيراني، في مخيلة دول الخليج (أكبر سوق عرفته شركات السلاح الأمريكية، خلال تاريخها كله).
ولأنه تابع بجدٍ منقطع النظير الحرب على سوريا (خاصرة اسرائيل الرخوة)، ودَعَمَ بكل ما أوتي من قوة الفصائل المسلحة بكافة أطيافها، لا بل وتبناها، حتى أنه حين أعلن (كذباً) ذات مرة، انسحاب قواته من الأراضي السورية، اشترط حماية المقاتلين الأكراد الذين حاربوا إلى جانب القوات الأميركية، كما غذى لديهم فكرة إنشاء دولتهم في الشمال السوري، لما في ذلك فائدة كبيرة للكيان الصهيوني.
كما على “اسرائيل” شكره، ليلاً نهاراً، لأنه وكرمى لعيونها، أنهى الإتفاق النووي مع إيران ( اعتبر ترامب منذ بداية حملته الإنتخابية، أن الإتفاق النووى يمثل “كارثة على إسرائيل)، وفرض عقوبات عليها، وعلى كل محور المقاومة، وعقد مؤتمراً (تمويهياً)، في “وارسو” أواخر شهر شباط من عام 2019، تحت شعار “مستقبل السّلام والأمن في الشّرق الأوسط” (طبعاً السلام مع إسرائيل وحماية أمنها)، وكان عنوانه الأبرز محاربة الخطر الإيراني، وسمته الغالبة كانت لقاءات التطبيع العربي مع اسرائيل، يومها قدم ترامب لإسرائيل، مساعدات مالية تقدر بـ38 مليار دولار، بحجةِ أن إيران تشكل خطراً داهماً عليها، (هي الصفقة العسكرية الأكثر سخاء في تاريخ الولايات المتحدة). وكذلك أوقف دعم الأونروا، وانسحب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأدرج الحوثيين في قائمة الإرهاب الأمريكية".
الرجل يستحق الشكر، لأنه دعم وتحالفه الإستعماري، مقاتلي جبهة النصرة (إن لم نقل داعش)، الذين عاثوا دماراً على طول سوريا وعرضها، و نهبوا آثاراً ذات أهمية كبرى لدى الإسرائيلي (أقدم نسخة من التوراة في العالم كانت موجودة في كنيس جوبر)، والدليل على رضى إسرائيل عن دعم ترامب لتلك المجموعات الإرهابية، هو أن عدداً كبيراً من الذين قاتلوا الجيش العربي السوري، قد تلقوا علاجاً مجانياً في مشافي “اسرائيل”.
المرشح "ترامب"، وبغض النظر عن مسرحية تفاجُئ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدائم، بكرم البيت الأبيض، هو بالنسبة للإسرائيلي، مُحقق “معجزة بوريم” (أنقاذ الملكة إستير للشعب اليهودي، من هامان الفارسي -بحسب التوراة)، فهم يعلمون مدى أهمية الجولان الدينية (في العهد القديم يذكر اسم جولان في سفر التثنية وفي سفر يشوع)، ويعلمون بغنى المنطقة بالنفط والغاز الطبيعي (في عام 2015 أعلنت شركة التنقيب عن النفط الإسرائيلية “آفك أويل”، أنها وجدت كمياتٍ هائلةٍ من النفط والغاز في هضبة الجولان) وأن الجولان أكبر مصادر المياه بالنسبة للكيان الغاصب (حوالي 35 في المئة تحصل عليها اسرائيل من الجولان)، أضف الى ذلك التربة الخصبة (جداً) على ضفاف بحيرة طبرية.
يعتبر "ترامب" بالنسبة للإسرائيلي، بمثابة مارد الفانوس السحري، الذي ببساطة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتمكنت إدارته من التفاوض على اتفاقيات أبراهام، وهي معاهدة سلام بين إسرائيل وعدة دول عربية (البحرين، الإمارات والأردن).
أشار "ترامب" في حملته الانتخابية هذه، إلى أنه إذا عاد إلى البيت الأبيض، سوف ينهي الحرب في غزة فوراً، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو عن كيفية القيام بذلك؟!
هاريس... السياسة المتلونة
صحيح أن "كامالا هاريس"، مرشحة الرئاسة عن الحزب الديمقراطي، والبالغة 59 عاماً، كانت معارضة للحرب على إيران عام 2020، وأنها صوتت عام 2019 لصالح مشروع قانون يدعو لسحب القوات الأمريكية من اليمن، وكذلك انتقادها عام 2018 لضربة أمريكية على سوريا .
وأنها قد وعدت خلال حملتها الانتخابية اليوم، بإعادة الاتفاق النووي مع إيران. وعلّقت شحنات من الأسلحة لدعم. الهجمات الإسرائيلية.. وتتحدث باستمرار عن معاناة غزة، وتلقي اللوم دائماً على إسرائيل بسبب "قتل الكثير من المدنيين في غزة".
إلا أنها، و في مقابلة مع شبكة CBS التلفزيونية الأميركية، أجريت معها في أيلول الماضي، وجواباً على سؤال مقدم البرنامج، عما إذا كان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو "حليفاً وثيقاُ وحقيقياُ" لأميركا، أجابت: "أعتقد، بكل احترام، أن السؤال الأفضل هو: هل لدينا تحالف مهم بين الشعبين الأميركي والإسرائيلي؟ والإجابة هي نعم".
كما أنها قالت (في ختام المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاغو وأمام عشرات الآلاف من أعضاء الحزب): "سأدافع دائما عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وسأحرص دائما على أن يكون لدى إسرائيل القدرة على الدفاع عن نفسها".
وهي لم تسم يوماً اسرائيل بالدولة المُحتلة، كما لم تُشر في أياً من تصريحاتها الى مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
أضف إلى ذلك كله، أن إدارة بايدن، والذي تمثل المرشحة هاريس أحد أهم ركائزها، قدمت دعماً عسكرياً ومعنوياً كاملاً لحكومة العدو الإسرائيلي، في حربها على غزة، وهي ذاتها لم تنجح في الضغط على "نتيناهو" لتحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان.
أخيراً، وفي ظل تأزم الوضع في المنطقة، وبينما تحترق كلاً من غزة والضاحية، سيكون من السذاجة توقع أن يعطي كلا المرشحين (هاريس أو ترامب) أولوية لإدارة الصراعات في الشرق الأوسط (آخر همهم)، على قضايا داخلية من وزن الهجرة، الإقتصاد، أو خارجية كاستيقاظ التنين الصيني، النمور الآسيوية، أو عودة الدب الروسي الى الساحة الدولية... إلخ.
ومع ديمومة الأحلام المتورمة لمهندسي مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، الذي كان أكبر وأكذب دعاية أميركية، ومبرر لإستعمار المنطقة، الذي تسلح كذباً بالدعوة إلى الديموقراطية، والتغيير الثقافي، وحقوق الإنسان، وضمان حقوق المرأة، والقضاء على الأُمّية… الخ، تلك الأحلام التي ولدَّت جحيماً أحرق المنطقة، وأدخل شعوبها في نفق الفقر والتخلف والضياع.
يبقى السؤال هو: في حال عاد "ترامب" الى البيت الأبيض، هل سيشهد العالم، إعترافاً اميركياً جديداً بالعراق كأرضٍ اسرائيلية، وذلك تطبيقاً للمبدأ الصهيوني (أرض اسرائيل من النيل الى الفرات)؟
من يعش ير..