كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حوارات السوريين.. بين مؤيدين للدولة ومعارضين لها

نظمت مجموعة من المثقفين السوريين المستقلين بعضهم معارض ومنهم أقرب إلى خط المعارضة، في طليعتهم الدكتور والشاعر حمزة رستناوي، وبدر الدين عرودكي، ريمون معلولي، سعاد خبية، علاء الدين زيات، عيسى إبراهيم، وبالتعاون مع مركز حرمون ممثلاً بنادر جبلي وبسام يوسف (مدير الندوة)، ندوة حوارية -عبر الزووم- مع عدد من الشخصيات الثقافية والسياسية السورية من معارضين ومؤيدين وحياديين، وذلك مساء الخميس 20 حزيران 2024.

موضوع الندوة كان حوارات السوريين نحو إنتاج توافقات وطنية، وهي عبارة عن حلقة من سلسلة حلقات حوارية بين سوريين معارضين وموالين.

تناولت حلقة 20 حزيران 2024 الانقسام المجتمعي السوري على خلفية الموقف السياسي. 

والمقصود بعنوان الحلقة هو الانقسام المجتمعي الحاد الذي حصل بين السوريين على خلفية رأيهم وموقفهم من الصراع العنيف الذي بدأ مع انتفاضة السوريين في ربيع 2011، أو بعبارة أخرى هو انقسام السوريين بسبب الموقف السياسي من النظام والثورة، وفق ما ذكر منظمو الندوة الذين رأوا أن السوريين، بمعظمهم وصلوا، إلى هذه الحالة من الانقسام الشديد، والذي بلغ في بعض حالاته إلى تفريق الأخوة عن بعضهم والأصدقاء عن بعضهم.. بداية بسبب موقفهم من الثورة والنظام بعيد اندلاع الثورة، ليتعزز هذا الانقسام ويتصلب مع الوقت بسبب شدة الصراع واستمراره، وما واجهه السوريون خلاله من عنف وقسوة وتهجير وتدمير، وما أريق من دمائهم وكراماتهم، منذ آذار 2011 وحتى الآن. لكن، وبشكل خاص، بسبب استغلال أطراف الصراع، وأصحاب المصلحة فيه، لعواطف الناس عبر ضخ كل أنواع السموم والكراهية والتحشيد.. إلى أن أصبح الموقف السياسي من الصراع وأطرافه هو العامل الحاسم في علاقات الناس ببعضها، متفوقا بذلك على كل أقوى الروابط والمشتركات بين الناس. فالموقف من الصراع يحسم العلاقات ويجب ما قبله وما دونه.

لكن رغم خطورته وقسوته واتساع نطاقه، إلا أن انقسام السوريين على خلفية الصراع السياسي يبقى هشاً، يمكن احتواؤه والتعامل معه بسهولة أكبر من تلك الانقسامات الأخرى ذات البعدين الطائفي والقومي وفق رأي منظمي الندوة، إذ لا جذور تاريخية وإيديولوجية له. ولا مصلحة للغالبية العظمى من الناس به. ويمكن فضح سردياته والأكاذيب والمبالغات التي استخدمت لإذكائه من قبل كل الأطراف. إضافة إلى أن الناس أصبحت بعد مرور كل هذا الوقت، قابلة وقادرة على الاستماع لخطابات مختلفة، وإعادة النظر بكل ما تأثرت به وشكل موقفها من الطرف الآخر.

ويضيف المنظمون القول: إذن الانقسام شديد، لكنه قابل للمعالجة، والناس، بمعظمها، أصبحت قابلة بالتغيير الإيجابي وتخفيض الحواجز.. والعمل على الموضوع راهن وضروري لتحسين شروط الاجتماع الوطني السوري أو التخفيف من عوامل هدمه.

نقول الغالبية العظمى من الناس، وليس كل الناس، لأن ثمة فئات مستفيدة من استمرار هذا الصراع، وبعضها ساهم في تسعيره، وفي الجرائم التي ارتكبت

يمكن – تجاوزا- تسمية طرفي هذا الانقسام بـ"الموالاة والمعارضة"، والموالاة (بالمعنى المقصود هنا) هم السوريون الذين يدعمون النظام الحاكم في هذا الصراع، بغض النظر عن الأسباب، والمعارضة (بالمعنى المقصود هنا) هم السوريون الذين يقفون ضد النظام في هذا الصراع، وأيضاً بغض النظر عن أسبابهم.

كان من المشاركين بالندوة، وفق إسعافات الذاكرة، الدكتور سامي الخيمي، إذ شارك من بيروت (حيث إقامته) وأكد الدكتور الخيمي على وجود مجلس للحكماء في سوريا، كما نوه الدكتور الخيمي على أننا لا يمكن النظر للمسألة السورية بمعزل عن محيطها.

بدوره ارتأى الدكتور ملهم غزال (طبيب سوري مقيم في بلغاريا) أن المعارضات السورية تتجاهل ما يقوم به أبو محمد الجولاني في إدلب من فظائع.

أما المحامي عيسى ابراهيم (مقيم في النمسا) الذي قدّم نفسه بوصفه لا مع النظام السوري ولا مع المعارضات السورية، فقد أبدى مخاوفه من تقسيم سوريا وأن لا تعود سوريا التي نعرفها.

كما كان من ضمن الحضور المشاركين الدكتور ميشيل سطوف (الجزائر) والدكتور محمد عبد الله الأحمد (بلغاريا) الذي ارتأى أن من أخطاء المعارضة هو تبنيها لعلم غير العلم السوري الحالي مع اعتقاده أن العلم الذي تبنته المعارضات هو علم الاستقلال، والصحفي أُبي حسن، وآخرين.

 وأدناه كانت كلمة الصحفي أُبي حسن:

بداية تحياتي لكم ولجميع الزملاء الحضور، وأشكر الصديق الدكتور حمزة رستناوي على هذه الدعوة

سأحاول الاختصار قدر الإمكان، على أن أقول معظم ما يعتمل في نفسي بأكبر قدر ممكن من الصراحة والوضوح..
نعم، يوجد شرخ سياسي بين السوريين، والشرخ ليس محصوراً بفئة اجتماعية أو مذهبية أو طبقية.. الخ. وأعتقد أن أحد أهم أسباب وجود هذا الشرخ راهناً هو انعدام الثقة..، فإذا تحدثتُ عن نفسي بصفتي من الضفة المؤيدة للدولة السورية، سيحق لي التساؤل: ترى لو كانت الغلبة الآن لهذه المعارضات المدعومة من نحو ثمانين دولة كما كانت الحال بين أعوام 2011 و2016 هل كنتم دعوتم الى هذا الحوار؟ وحبذا لو طالبتم بوقف قانون سيزر الذي تأذى منه الشعب السوري، قبل الدعوة للحوار، ناهيك عن أنه لايوجد اتفاق سوري بخصوص ان ما جرى هو ثورة، وكان لهذا الأمر تداعياته وشروخه التي هي سبب ندوتنا.
وتحت يافطة انعدام ُالثقة، أذكر قبل الحرب على وطننا بنحو العامين أن حزب الشعب الديمقراطي المعارض، أصدر عهداً بأن لا يتقاتل السوريون مستقبلاً لأي سبب كان، وبمجرد ما وقعت الحرب في وطننا سرعان ما نسي جماعة رياض الترك العهد الذي هم من أطلقوه من تلقاء أنفسهم، والبقية معروفة... وعدم الثقة هذه، هي إحدى أهم الأسباب التي تدفع بالكثيرين لتبني الخطاب السياسي للنظام ولتصديق معظم طروحاته قبالة عدم قابليتهم لتصديق خطاب المعارضات حتى لو كان في ظاهره موضوعيا ومنطقيا.
الانقسام السياسي موجود وله أسبابه السياسية والاجتماعية والإيدلوجية والطائفية، بيد أني أعتقد أن بريقه خفّ عن ذي قبل، وهذا لاينفي وجود موتورين هنا وهناك.
وفي الحالات كافة، عندما يرغب السوريون في الحوار، ومن أي اتجاه كانوا، وباعتبار أن مفهوم المواطن لم ينتصر في مجتمعاتنا العربية بعد ولن ينتصر على المدى المنظور، لذا أعتقد أن عليهم أن يضعوا بالحسبان عدة نقاط، منها: أولا: ان النظام السوري، وبمعزل عن موقف المعارضات منه أو رأيها به، هو أول من دعا ومايزال يدعو للحوار، وأعتقد أنه كان بالمقدور الحصول على نقاط ومكاسب عدة تخدم القضية الوطنية الجمعية عبر الحوار مع النظام عوضاً عن الخراب الذي نعيشه الآن..
ثانياً: أتمنى أن لانتجاهل حقيقة أن سوريا لا تعيش في جزيرة معزولة وأن لانتوهم أن محيطها هو مجموعة من الدول الاسكندنافية، ذلك عندما نتحدث عن الديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة.. الخ، وشخصياً لست من دعاة الانبهار بتجربة سوريا الخمسينات مع أنه من الممكن البناء عليها، فبمعزل عن أن تلك التجربة شهدت اغتيالات سياسية وتصفيات جسدية وتدخلات خارجية، هي فترة تدوال رؤوس الأموال الحلبية والدمشقية على السلطة مع من يقف خلفها من دول إقليمية وعالمية وندرك تماماً كيف كانت تعيش الأغلبية الساحقة من السوريين في فقر وعوز خاصة الريف السوري وبمجمله، وشخصياً أؤمن أن تلك الفترة كانت مفعمة بالطائفية والاستعلاء على الأقليات على عكس ما يحكى ويقال، ولندع ظاهرة فارس الخوري جانباً لانه بالمقدور الردّ على من يتاجرون بها....
ثالثاً: لنضع جميعنا في الحسبان أن سوريا تشكّل ركيزة محور المقاومة، سأدع جانباً تهكمات المعارضات على هذا المحور، بمعنى من يريد الحوار السياسي عليه احترام الخيارات السياسية الاستراتيجية للقيادة السياسية الحالية، وأن محور المقاومة موجود وباق لاعتبارات قومية ووطنية.. ولمن يزعمون أن ايران تُصدّر التشيّع (علماً ان التشيّع ليس تهمة قدر ما هو علامة شرف ونبل) هاهي أحداث غزة تؤكد لنا أنه لا يوجد حتى مسجد صغير باسم فاطمة الزهراء ولازاوية باسم أبي ذر الغفاري أو عمار بن ياسر.. الخ، وهذه الأسماء كلها رموز إسلامية عامة لا فئوية، لكن يوجد الحي السعودي والمشفى التركي وشارع الكويت والامارات ومشفى حمد وربما جامع موزة، مع أنه لايعيبهم في غزة أن يكون ثمة شارع باسم قاسم سليماني..
رابعاً: علينا التخلص من التراكم الطائفي السياسي، وهذا التراكم الذي عمره قرون توضحه حقيقة تواجد غالبية الأقليات إما في الجبال أو الوديان على نقيض بعض المكونات الأخرى التي احتكرت المدن نحو ألف عام، كما تفسّره كنى غالبية أبناء تلك الأقليات على نقيض كنى غالبية أبناء المدن، وحال وجود أقليات في المدن فقد كانت مضطهدة، ذلك التراكم هو ما يدفع بطيف واسع من أهل السنة الكرام خاصة ممن هم في المعارضات لتجاهل وجود أهل البيت وكأنهم ليسوا عرباً أو مسلمين أو أبناء النبي العربي! وأذكر في هذا السياق أن في حلقة شهر شباط الماضي من هذا الحوار، وأظنها عن حقوق الانسان، كان أحد الدكاترة الأجلاء واعتقد انه د. بدر، يتحدث عن هذه الحقوق ليؤكد انها موجودة قبل نحو مائتي عام أي منذ الثورة الفرنسية ويستشهد بنابليون الذي قرأ المذاهب الإسلامية الأربعة في الازهر.. إلخ، لكن الدكتور ذاته يتجاهل المذهب الجعفري وهو الأب الشرعي للمذاهب الأربعة، كما يتجاهل ماقاله الامام علي بن أبي طالب بخصوص حقوق الإنسان، ومن يريد المزيد أحيله لمجموعة الأديب اللبناني الراحل جورج جرداق "الإمام علي صوت العدالة الإنسانية" خاصة مجلد "علي والثورة الفرنسية"، و"علي وحقوق الانسان"، وكتعليق بسيط على التجاهل غير المقصود للامام علي أعتقد أن سببه هو الثقافة الطائفية المترسخة عبر قرون والتي تتجاهل آل البيت وتراثهم القيمي والأخلاقي.
ما سبق ذكره عن الطائفية السياسية، نجد قبالته الطائفية الاجتماعية، والحق يقال هي في أدنى مستوياتها في مناطق سيطرة الدولة السورية، وهذا يفسره راهنا حالات التزاوج المختلط بين معظم مكونات المجتمع السوري.
نعم ثمة حلول لقضيتنا الوطنية، نجدها عند توفر النوايا الصادقة لدى كافة الأطراف المعنية، وعند قبول الآخر المختلف عن قناعة وليس عن ممالأة، وأن يبادر الطرف المخطئ للاعتذار عما يعتقد أنه أخطأ به.. ذلك الاعتذار الذي طالما قال لي صادق جلال العظم انه غير موجود في ثقافتنا.. الحل في هو في انتصار مفهوم المواطن.