كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

لمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. منظمة كفربو- كيف سقينا السنديانة الحمراء

فادي الياس نصار

عندما كتب الفيلسوف "كارل ماركس" مؤلفه العظيم "رأس المال" لم يكن يعلم أن فكره الحي المفعم بالإنسانية، سيصل الى بلدة في قلب الريف السوري، وأن رجالها سيتحدون عذابات السجون متحملين قهر الحياة، زارعين جذور السنديانة الحمراء (الشيوعية) من جيل الى أجيال.
فعند الحديث عن ثلاثة أرباع القرن، من النضال المستمر، تضيقُ لغة الكلام و تخونكً المفردات في وصف بحر من الرجال تعودوا العطاء، و أدمنوا التضحيات والمواقف الوطنية إلى جانب فقراء الشعب.. فكانت حياتهم مُرَّة بطعم العلقم، غنية، جميلة كرغيف خبز.
كان لهم شيوعي في كل بيت، رفيق من كل عائلة من عائلات البلدة الكبيرة والصغيرة (إلا ما قل وندر)،.. انضم إليهم مئات العمال والفلاحين وصغار الكسبة، فنظموا فرق كاملة للمبدعين والمبدعات من الطلاب، ومثلها للشغيلة والنقابيين المناضلين، وأخرى للجنود الأبطال، والمثقفين الثوريين، إنها منظمة "كفربو" (كفربهم- حماة) للحزب الشيوعي السوري.
المخاض المُبكر
وصل الفكر الشيوعي الى بلدة "كفربو" سنة ١٩٥٠ عن طريق الرفيق جرجس صليبي حيار، الذي كان يعمل في لبنان، وتأثر هناك بأفكار فرج الله الحلو ونقولا الشاوي ورفاقه، (إلا أنه بعد فترة ترك البلدة وهاجر الى خارج القطر)، فجاء بعده الرفيق "رفيق ملحم نصار" حاملاً اسم الحزب الشيوعي وأفكاره التي كان قد تأثر بها خلال عمله في بناء مصفاة حمص عن طريق الاحتكاك بالرفاق الشيوعيين هناك.
الخلية الأولى
كان للرفيق محمد الحبال (ابن مدينة حماة) الذي كان يعمل في خمسينات القرن الفائت، في "كفربو" كمعلم نجار باطون، الدور الأساسي والكبير في تشكيل أول خلية شيوعية عبر تنسيب الرعيل الأول رسمياً الى صفوف الحزب، نذكر منهم الرفاق: يوسف جرجس يازجي، فهد اسحق عنقة، حنا شحود يازجي، الياس خليل نصار، عيود نجيب عساف، نصار سليمان نصار، حنا يوسف الإبراهيم.
الولادة القوية
تشكلت أول فرعية في كفربو عام ١٩٥٧ بقيادة الرفيق فهد عنقة وعضوية كلاً من الرفاق: حنا ابراهيم، الياس خليل نصار و نصار سليمان نصار، وبعدها بفترة قصيرة تسلم القيادة الرفيق الياس نصار (أبو فادي) حتى رحيله في عام ١٩٩٩.
ومن ثم انتسب كلاً من الرفاق: الاستاذ حنا ميخائيل سعود، نجيب توما، الياس بدري عيسى، عزيز ضرغام السعد، عبد الكريم شريدي، الياس حنا محفوض، جميل فرح سليمان، حبيب زليق، ابراهيم الضحيك، الاستاذ الياس الخوري. بعدها انضم إليهم الرفيق جرجس أسو( منتقلاً من منظمة بيروت).
رجال الزمن الصعب
ناضل الرفاق في عهد جمال عبد الناصر بسرية تامة وتحمل المكشوفون منهم (رفيق نصار، فهد عنقة، الياس نصار، نصار نصار) كل أشكال القهر والتعذيب في اقبية السجون على يد مخابرات عبد الحميد السراج، وبعدها على أيدي الأجهزة الأمنية في مختلف العهود.
الحصاد الوفير
وصل عدد الفرق الحزبية في البلدة (من الستينات حتى ثمانينات القرن الماضي) الى عشرات الفرق (أكثر من أربعين فرقة)، عداك عن منظمة اتحاد الشباب الديمقراطي، التي أسس اعضائها عام ١٩٦٨ فريق كرة قدم اسموه (الغسانية)، وأعادوا التجربة بعد سنوات ولكن هذه المرة بفريقين لكرة القدم (الأهلي والراية).
كذلك كان العنصر النسائي قوياُ في التنظيم ( عشرات الرفيقات) وكان العمل بينهن يجري بسرية مُطلقة.
رواد في الثقافة والتثقيف
تابع الرفاق النضال الى جانب الجماهير من عمال وفلاحين ومثقفين ثوريين فكان لنا صولات وجولات في مجال نشر الثقافة والتشجيع على القرآة من خلال المحاضرات، الندوات، الأمسيات الشعرية، واللقاءات والحوارات المستمرة والمتنوعة، أضف إليها توزيع مئات الكتب والجرائد والمجلات التي كانت موجودة في مكتبة الحزب.
العلم والتعليم
شجعت المنظمة العلم بين الشباب والصبايا (كان في صفوف المنظمة أربعة من أقدم المدرسين في محافظة حماة هم: الأساتذة حنا ميخائيل سعود، الياس الخوري الياس (ابن خوري البلدة ديمتري)، ماجد كاسر مقدسي ومرهج فهد زعرور) ويذكر أن أول طالب دخل صفوف الحزب هو المرحوم الدكتور المهندس تركي مقدسي عام ١٩٦١، ومما لابد ذكره في هذا السياق هو أن المنظمة رفدت المجتمع الكفرباوي بعشرات الخريجين الجامعيين ممن درسوا على حساب الحزب في الإتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الأخرى.
المجالس البلدية
خضنا الإنتخابات لمجالس البلديات في دورتها الأولى بشكل حر وحققنا إنتصاراً كبيراً بحصول رفيقنا (الياس نصار) على أعلى الأصوات، كذلك خضنا الانتخابات اللاحقة ضمن قائمة الجبهة وكان تفوق رفاقنا المرشحين واضحاً على كل القوائم، وحصلنا في إحدى المجالس على ستة مقاعد (بين رفيق وصديق للحزب) من أصل ١١ مقعداً.
حزب الرغيف
رفعنا مئات العرائض من أجل تحسين نوعية الرغيف، وتصادمنا مع أصحاب الأفران عدة مرات، ولكن بالمقابل طالبنا بدعم تلك الأفران بكميات أكبر من الطحين والوقود.
مع الفلاح دائماً
كان نضالنا دائماً ومتواصلاً ضد كل ظلم وجور يلحق بالفلاح، فوقف رفاقنا مع الفلاحين ضد استخدام الأراضي شمال البلدة، والقريبة من صوامع الحبوب، كمخازن للقمح، كذلك كان لنا دور السبق في النضال من أجل استلام معمل البصل (سلمية) لمحصول الفلاحين من البصل عام ١٩٨٧، وهنا لابد أن نذكر الفلاح الواعي الذي كان الحزب يقوم بالتنسيق معه لحشد الجماهير المرحوم الياس عبدالله (ابو جهاد) والمرحوم موسى السعد (أبو مطانيوس).. وغيرهما من أكابر البلدة.
الإتصالات والمواصلات
ناضل الشيوعيين وبقوة من أجل تأمين خدمة الهاتف الآلي لكل بيت في البلدة، ونجحنا في ذلك، لابل حصلنا على موافقات لإفتتاح مقسم آلي خاص بالبلدة (بشهادة الجميع عن طريق رفيقنا وزير المواصلات آنذاك المرحوم"مراد القوتلي") ونحن من سعى بجد من خلال رفيقنا في مجلس البلدة لإحضار الباص الداخلي وتأمين كل الخدمات العامة للمواطنين كافة.
مع الإنسان... ضد التلوث
ساهمت المنظمة بكل الوسائل لإزالة التلوث المسرطن الذي تسببه كتلة معامل الإسمنت (ثلاثة معامل) الملاصقة للبلدة، سواء عبر نضال رفاقنا في مجلس المحافظة، أو عبر المقالات الكثيرة التي كتبناها في صحافة الحزب (وغيره) حول هذا الموضوع، أو من خلال المشاركة في كل الوفود تشكلت للمطالبة، أضف إلى أن المنظمة كان لها الدور الرئيسي والأساسي في إلغاء مشروع معمل الإسمنت الأبيض (قطاع خاص)- غرب البلدة.
شهداء الحزب والوطن
قدم الحزب شهداء في سبيل عزة الوطن وكرامته نذكر منهم الرفيق الشهيد جرجس عازر١٩٦٣) والرفيق الشهيد فريد محفوض (حرب تشرين ١٩٧٣)، الرفيق الشهيد عمار أسو (١٩٧٥ الحرب اللبنانية) والرفيق الشهيد المهندس جوني نادر (٢٠١٧).
العلاقات مع الجوار
كان بيت الرفيق الياس نصار بمثابة مكتب للعمل الحزبي، فكان يومياً يعج بالرفاق والاجتماعات سواء موسعة أم للفرق.. وكان يأتي الرفاق من منظمات الجوار من السقيلبية، محردة، سلمية ومصياف والريف البعيد والقريب، كي يذهبو سيراً على الأقدام، في أيام البرد والحر للتبشير بالشيوعية في القرى الصغيرة المجاورة لكفربو.
شعور عميق وغريب
عندما يسقط الظلم على الناس يرفعه الشيوعيون حول العالم بسواعدهم و عقولهم، وعندما يُخيم على الدنيا الظلام، يرمونه بكلماتهم بنادقهم، وأغانيهم فتشرق شمس الحرية والعدالة الإجتماعية.. بعد أن مرَّ على أولى جذور السنديانة الحمراء في بلدتنا، أكثر من ٧٥ عاماً، بحلوها ومُرها، ينتابنا جميعاً شعور عميق وغريب، يتناوب فيه الفخر والإعتزاز بـ٧٥ سنة من النضال من جهة، والحزن على ما آلت إليه المنظمة بسبب الإنقسامات الكبيرة التي أصابت جسد الحزب من جهة أخرى... لكننا محكومون بالأمل دائماً، متمسكون بمبادىء الحزب النبيلة، حاملين راية الفكر الماركسي اللينيني الإنساني الراقي... نناضل من أجل وطن حر وشعب سعيد، عاملين بكل جد لتحقيق وحدة الحزب.
طوبى لتلك القامات الشامخات التي ضحت ورحلت، وطوبى لمن مايزال على المتراس يناضل.
عاش الحزب الشيوعي السوري.
......................................
كتبت هذه المقالة بالتعاون مع اللجنة الفرعية في كفربو.
النور