كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الهوية القادمة لسوريا ضمن صراعات اقتسام الحصص بين القوى الاقليمية والدولية

د. إليان مسعد- فينكس

الهوية القادمة لسوريا:
ضمن صراعات اقتسام الحصص بين القوى الاقليمية والدولية على الارض وعبر الوكلاء والتي علينا التصدي لها ولأدواتها بواقعية
1- هل التقسيم أمر قائم اليوم ضمن مستقبل سوريا؟ وهل يمكن تجنب مثل هذا الاحتمال؟
لا يوجد ولن يكون هنالك تقسيم بالمفهوم الانفصالي رغم ان حدود دولتنا الحالية الموصوفة عُرفًا بحدود سايكس بيكو أصبحت هشة بشكل يُرثى له وعرضة للانهيار، وانهيار الحدود سيكون قطعا لصالح تفتيت المفتت وتقسيم الكيانات الموجودة، لكن أمن النفط وخطوطه وأمن اسرائيل لايسمح؛ لذا كلمة السر هي: التحلل الذاتي، الذي يسهّل مخططات اقتسام النفوذ، وكما نرى في الواقع الذي نعيشه، ووقود الانهيار كله من الداخل: الطائفية، الطبقية، استيلاء الأقليات العرقية والطائفية على الحكم المناطقي أو استبداد الاكثريات وصراعات الحدود والثروة الأيديولوجيات، الديكتاتورية، القمع، الفشل في إدارة الدولة والفساد، غياب الحريات، لا وجود لحقوق انسان ولا مواطنة متساوية، وإهدار للحقوق. ويُخطط لدولتنا أن تنتهي إلى مصير الدول الفاشلة، والحلولً العاجلة لإنقاذ سوريا من شر التقسيم العملي هو في أفكار الشرق الاوسط الجديد دون الوقوع بمطبه الجيوبوليتيكي الاميركي، فالبحث عن الحكم الرشيد والراشد وجودة الخدمات والعدل إدارة الموارد والأمن وتحجيم البطالة والتوحد ضد العدو المشترك، وعقد اجتماعي قائم على حقوق الانسان والعلمانية الديموقراطية وتعزيز الانتماء لوطن جامع وتمكين المرأة وتوطين الحداثة وحكومة رشيدة تخضع للمحاسبة والمراقبة والمعاقبة،
2-ما هي الهوية القادمة لسوريا؟ وهل سينشأ توافق مختلف على أساس طائفي وأثني، أم أن التأسيس الجديد سيحمل تصورات جديدة؟
ان السوريين ولأسباب طائفية ومذهبية وتسلطية لا يرغبون بالتصالح مع تاريخهم من 5 الاف عام، وتتعلق أزمة الهوية بممانعتهم لتكوين شعور مشترك بين أفراد المجتمع الواحد، وانهم متميزون. ولم يتوصلوا الى اقرار كون اقليمهم السوري مع أو بدون المقتطعات هو وطنهم الحقيقي النهائي، و ما يجب ان يشعروا بوصفهم أفراداً بأن هويتهم الشخصية محددة بانتمائهم الى بلادهم سوريا المحددة إقليميا. وفي معظم الدول الجديدة ان الأشكال التقليدية للهوية تتراوح ما بين العشيرة او الطائفة وبين المجتمعات والجماعات الاثنية واللغوية التي تتنافس مع الشعور بالهوية الوطنية الأوسع. ولهذا فإن أزمة الهوية ذات ثقل في التنمية السياسية في المجتمع وفي بناء الدولة. وفي إطار المجتمع السوري تكتسب الهوية أهمية متزايدة، فالملاحظ ان التنوع الديني والعرقي والمذهبي، مع تفسير اسلامي اجتماعي حالي مسوق نفطيا مغرق في عدم تسامحه وتعاليه على الاخرين وصلفه وعنصريته، وأضيف له أخيرا التوحش الممارس، وبالمقابل تعدد الثقافات الفرعية التي كانت متجذرة تاريخيا مع ضعف ديموغرافي لأفرادها نتيجة نزف مزمن مستدام لم يسمح أن يصل بالوعي الى مستوى الانصهار والاندماج في اطار الهوية الوطنية الشاملة بدلاً من انتماءات ضيقة جعلت الوحدة الوطنية ﺿمن الخطر المستديم. لذلك يمكن القول ان هشاشة الهوية الوطنية يساعد على ديمومة التوتر والعنف، وأن القوى السياسة لها قوة بمقدار قوتها العشائرية والمذهبية والقومية، وبعضها لديهم مسلحوها العنيفون والمرتبطون بالخارج، لذا هذه القوى تعمل بعقلية اقتسام السلطة لمصلحة الدول المتدخلة، وليس إيجاد وعي جديد بمفهوم الدولة وهويتها. وفي حال تطبيق ذلك على أسس ونموذج البنية السياسية في ما يسمى هيئة الحكم الانتقالي وهي بالجوهر إبدال استبداد قائم بمحاصصة طائفية مدعومة من الأطراف الاقليمية المتدخلة فإننا سنرى الضعف البنيوي المميز للوعي السياسي فيما يتعلق بإدراك خصوصية ومعنى للهوية الوطنية الشاملة. ان مبدأ المواطنة يصبح أحد أنجع الحلول الواجب ترسيخها، وما يجب ان يشكله من بوتقة على الكل أن ينصهر بها لإنتاج ذاته بما يناسب خصائصه الموضوعية، فضلاً عن تعميق الشعور بالهوية الجماعية للأفراد وجعل الانتماء السوري أولاً واخيراً. ولأجل حل اشكالية الهويات العشائرية والطائفية، فإن البديل يتمثل بالأقرار المجتمعي، ومن ثم الدستور العقدي، بالهوية التعددية المذهبية والطائفية والعشائرية في سوريا لتمثل هويات ثقافية دينية واجتماعية وليس سياسية أبدا. وبالإمكان لهذه المكونات العشائرية والطائفية تشكيل روابط اجتماعية ودينية تدافع عن مصالح أعضائها بوصفها منظومات اجتماعية ودينية وليست سياسية تتفاعل بايجابية. إذ أن اعتماد الهوية الوطنية لا يلغي أو يقصي أو يتجاهل الهويات الأخرى القومية والدينية والعشائرية والمذهبية، انما ستتميز الهوية الوطنية عن الهويات الأخرى جميعها بوصفها هوية سياسية وغيرها هويات غير سياسية. فالهوية القومية تمثل منظومة ثقافية وحضارية وليس منظومة سياسية. كذلك الهوية الدينية الطائفية والعشائرية فإنهما تمثلان أيضا منظومات اجتماعية لا يمكن ان يرتقيا الى مستوى الهوية السياسية بقدر تعلق الأمر بسوريا. ويجب أيضا تنمية الجانب الثقافي عن طريق خلق ثقافة وطنية شاملة وموحدة تشعر كل فئة مهما كانت لغتها أو دياناتها او مذهبها بأنها سورية ومتساوية تماما مع الفئات الاجتماعية الأخرى.
3-في ظل التحولات العنيفة التي شهدتها سوريا كيف سيكون شكل الدولة مستقبلا؟ وما هي العوامل التي ستؤثر في طبيعة النظام السياسي القادم؟
ان شكل الدولة سيرتبط بأزمة الشرعية وبشكل وثيق بسابقتها أزمة الهوية، وترتبط بتحقيق الاتفاق حول شرعية السلطة القائمة والمسؤوليات الخاصة بالحكم والنظام السياسي والجيش والقوى الأمنية. وان مآلها هو بناء الأمة والدولة السورية. وإن أزمة الشرعية هي مشكلة دستورية ومؤسساتية، وماهية العلاقة بين السلطات المركزية والسلطات المحلية؟ ودورالنظام السياسي في دفع عملية التنمية. والروح والقيم التي يجب ان تسيطر على الحكومة والأهداف الأساسية للدولة السورية وهل هي دينية أم ايديولوجية أم اقتصادية أم تنموية؟ فضلاً عن ما تقدم، ان مقياس شرعية اي نظام، في معناها السياسي والقانوني يقوم على اساس جانب شكلي يتمثل بدستورية السلطة أي ممارستها وإقامتها وفق قواعد الدستور لا تجنب تطبيقه وتفاديه، وجانب موضوعي يتمثل بقناعة ورضا افراد المجتمع بهذه السلطة، وإرجاء عددٍ من المشكلات الجوهرية والمصيرية المتعلقة بالدستور الدائم مثل شكل الدولة والعلاقة بين الدين والدولة وطبيعة النظام السياسي وهوية سوريا وتوزيع الثروات وغيرها، الى المستقبل المنظور، ومن جهة اخرى فإن تردي الوضع الامني والا قتصادي والاجتماعي، وضعف النضج السياسي للقوى السياسية و ضعف الخدمات العامة وتفشي الفساد المالي والإداري وانتشار البطالة، سيجعل النظام السياسي يفقد سمة الفاعلية في أدائه لوظائفه واستقراره وديمومته من أجل دعم برامج التنمية السياسية. فضلا عن ما تقدم، فإن إفراز و إقرار التشكيل الوطني على أساس البنى التقليدية مثل البنى الطائفية والعرقية والعائلية وهو ما أراه، سيفقدها شرعية التمثيل الطبيعي والموضوعي للشعب.
وأما العوامل التي ستؤثر في طبيعة النظام السياسي القادم فإن إعادة بناء الدولة -وفق منطق الدولة – الأمة، سيكون خاضعا لنزعة تشكيل دولة الطوائف المشجع خارجيا. ان أحد الحلول اللازمة لحل أزمة الشرعية هو قيام الديمقراطية الدستورية والعلمانية، والمعتمدة على توافر شرطين جوهريين، أولا: المساواة السياسية بين المواطنين عبر مبدئي المساواة والمواطنة. وثانيا التوصل الى صيغة دستور ديمقراطي، والدستور الديمقراطي ليس منحة من أحد، ولا يجوز الرجوع عنه او تعديله إلا وفق أحكامه، لكن القوى الاقليمية مسنودة بسوريين تدفع للآن بالاتجاه المعاكس.