كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

د. إليان مسعد: شهادتي للتاريخ حول موت مدينة حمص

شهادتي وشهادة رفاقنا بحزب المؤتمر الوطني من اجل سوريا ومحازبينا وانصارنا العلمانيين واصدقائنا وجيراننا وزملائنا لما جرى من دقائق تلقي الضوء على حقيفة التمرد المسلح في حمص وذلك من خلال معلوماتي ومعرفتي, فقد ولدت بحمص القديمة عام 1954 وعشت ودرست بمدرسة الاباء اليسوعيون ببستان الديوان بحمص الرومانية القديمة وحصلت على البكالوريا بها عام 1971 ومعرفتي الدقيقة بها وبسياسيها وجغرافيتها وتركيبتها, وتقاطع ذلك مع استقصاءات ومقابلات دقيقة وهواتف واتصالات ومع تطابق انطباعاتنا لما نشره كثيرون ومنهم رجال دين وعلمانيون ومنهم الأب فرانس فان ديرلوخت (سكن حمص من عام 1965) الذي علمني بمدرسة الاباء اليسوعيون وكنت على تواصل معه بين عامي 2011 و 2014 والذي اغتيل 2014 من قبل مجموعة حمصية اسلامية متشددة تابعة لإحدى فصائل المتمردين التي احكمت السيطرة على الحي المسيحي (منطقة بستان الديوان والحميدية ووادي السائح في حمص القديمة) بعد ان اعتدت عليه عدة مرات قبلها ثم عذبته وقتلته قبل انسحابها من حمص لانه كان احد اواخر الشهود على ما نقول فقد كانت وجهات نظرنا وتحليلنا متطابقة لما جرى.

ونرى بأن نظرتنا لهذا التمرد المسلح الذي تمت به عملية اغتيال مدينة حمص بشكل عام والحي التاريخي القديم المسيحي بشكل خاص حيث ولدت وعشت تتحمل مسؤوليته أقلية عنيفة قامت ومنذ البدء باغتيال أمان هذه المدينة وهدفها منع وحرمان سوريا من ادنى فرصة لنجاح أي عملية اصلاح سياسية في سوريا.

و تلقي المعارضة السياسية بشكل ببغاوي بالتهمة على الحكومة السورية التي كانت تمر بالبدء بمرحلة انعدام الوزن نتيجة حجم التعبئة الطائفية والاعلامية التي كرست لذلك مع حجم كبير من سوء التدبير والعجز. و لكن شهادتي ومن ذكرت اعلاه على جذور التمرد المسلح المبكرة و على تصاعد حالة الاستعصاء بين المتمردين المعارضين المتحصنين بالمدنيين و مع القوات المسلحة في حمص. و تتعارض أرائنا طبعا مع اغلب معارضة الخارج و مع الصورة النمطية التي يقدمها الإعلام العربي والغربي مسلحا بسخف وضعف ولا موضوعية روايات اعلامنا.

و أهم هذه التناقضات ما جاء بها عن أن القمع العنيف للمتظاهرين السلميين أطلق شرارة التمرد. بينما نؤكد ونشهد بان حركة الاحتجاج ضمّت عناصر مسلحة و عنيفة وطائفية منذ اليوم الاول و سريعاً ما خطفت هذه العناصر وخلال اسبوع الزخم من المحتجين السلميين و قد لاحظ رفاقنا وعلمانييون واخرون من اليوم الاول وجود متظاهرين مسلحين يمشون بجانب المحتجين وهنا على مجموعة الدكتور قدري جميل ان تقدم روايتها الحية للاحداث وكيف قتل احد رفاقهم بحمص ومن قتله لذا كعلمانيين ومن الايام الاولى توقفنا عن أي تحرك وادنا العنف وطلبنا افساح المجال للحصول على أي مكسب سياسي للحرية من السلطة لاننا قدرنا بحينه الى اين تتجه الامور وان الحراك مقدر له ان يتطيف مبكرا ولذلك بعض منافقي المعارضة الداخلية والخارجية لا يطيقون سماعنا.

ان هؤلاء المسلحين كانوا أول من أطلق النار على الجيش والامن والشرطة و ليس العكس وعلى اصدقائنا من تيار التغيير السلمي بحمص ان يدلوا ايضا بشهاداتهم مثل شيوعييي الدكتور قدري وللتاريخ . و في معظم الحالات كان العنف الذي مارسته قوى الأمن ردة فعل على العنف الوحشي للمتمردين المسلحين تجاههم وتجاه الطوائف الاخرى ولولا لجم الجيش للكثير من ردود افعال الطرف الاخر الذين لم يالوا المسلحين جهدا باثارته عبر الخطف والقتل والتشويه والاغتصاب لكانت الكارثة اكبر . وما جرى في سوريا لا يمكن وصفه باية حال بانتفاضة شعبية او ثورة لا تنطبق عليها تعريف الثورة فغالبية السوريين لم يدعموا هذه المعارضة المسلحة وبكل تأكيد لا يدعمون تسليحها اللاحق ولكن كنا بسياق مطالب معروفة من زمن ومطلوبة ومعبر عنها حتى من قبل راس النظام نفسه.

و في أيلول 2011 عندما كانت المجموعات المسلحة وواجهتها المعارضة تلقي على النظام مسؤولية أعمال عنف قامت بها هي نفسها و كانت المعارضة السلمية المنقسمة على نفسها إلى علمانيين واسلاميين معتدلين و ليبراليين و ديمقراطيين و شيوعيين و آخرين قد توقفت تماما عن اية احتجاجات ماعدا بعض الجيوب الميالة للعنف الناصرية منها بدوما والقلمون وحلب ويساريها بحمص (مجموعة عمر ادلبي) وهذا ما شوش الرؤية تحت ضباب كثيف وسديمي من السيول الاعلامية الطائفية والافلام المرعبة والدموية التشويقية للاعدامات وقطع الرؤوس على اليوتوب وعلاوة على ذلك و منذ البداية كانت هناك مشكلة المجموعات المسلحة التي كانت جزءاً لا يتجزأ من المعارضة و كانت معارضة الشارع المسلحة أقوى بكثير من باقي المعارضة التي كانت ممالئة ومسايرة لها بل وتتستر عليها. و قد كانت هذه المعارضة المسّلحة تلجأ غالباً بل دوما إلى العنف من أجل لصق التهمة بالحكومة.

و قد اغتيل و عُذب وقتل وهدد الكثير من ممثلي الدولة والحكومة وحتى من المعارضين السلميين مثلنا على يد هذه المعارضة.و استنتج حزبنا مبكرا بحينه انه لا يتوقع الكثير من المعارضة التي تحرضها و تدعمها مخابرات ومصالح أجنبية و اكدنا ان الإصلاح السياسي هو الحل الأفضل و بين خيار المعارضة بشكلها المسلح او الذي يغطي المسلحين و لو بحده الادنى وعن طريق الحكومة السورية التي لم تكن تحظى بثقتنا لا حكومة العطري ولا سفر ولا رياض حجاب لكن كنا كام الصبي فقد كنا نشعر تماما بالمأزق الذي سيرمينا به امثال رياض الترك والشقفة وحسن عبد العظيم وحازم النهار وميشيل كيلو وعبدالحليم خدام وجورج صبرا واللبواني وبرهان غليون ووليد البني والجربا وامثالهم وفضّلنا بوقتها من كل بد اصلاحاً سياسياً تقوم به الحكومة السورية على طريقة خذ وطالب والقبول بفن الممكن على الدخول بالمجهول وتخريب البلد بينما مخالفينا من المعارضين كانوا يعلمون بالمسار الكارثي واصروا على ولوغه.

و وجهة نظرنا لا تفضل حل تغيير النظام الذي يدعمه العربان والغرب لاننا توقعنا ما الت اليه الامور الان واعطانا التطور الدراماتيكي الحق وليته لم يعطنا . و قد كتبت في أيلول 2011 أنه يجب على الحكومة الحالية أن تبقى بالرغم من كل الصعوبات و على شرط المباشرة بجدية بعملية الإصلاح. وكذلك قلت في كانون الثاني 2012 حين انشاء التيار الوطني لانقاذ سوريا ما معناه أن الحكومة الحالية قد تكون أكثر ديمقراطية من أي بديل محتمل. و وجدنا بأن النظام الحالي بعد تعديله هو الضمانة الأفضل في وجه انتشار العنف الطائفي وانتشار الفاشية الدينية في سوريا.

و في الوقت الذي سلطت فيه الصحافة الغربية على جهودهم كمعارضين لارساء ما ادعونه من ديموقراطية كانت واجهة لتبرير العنف لانهم لم يكونوا يوما ديموقراطيين فاذا كنت قانعا ان البعث التاريخي غير ديموقراطي فكيف ساقنع بان ناصريين وشيوعيين واسلاميين هم ديموقراطيين وكنا دوما نمتحنهم بالعلمانية ودوما كان رسوبهم مدويا كما انهم كانوا دوما يناوئون خططنا في تشجيع التفاهم بين المسلمين بكل طوائفهم و المسيحيين, واكدنا دوما على ماهية الخط الطائفي الحقيقي في سوريا و المتمثل في الغالبية السنيّة و المدينية والمتمدنة وكل الاقليات ومنهم الأقليّة العلوية المحسوية بحسب المعارضة على النظام الحالي و هذه الاقليات التي تعتبرها بصراحة وبلا مواربة التيارات السياسية المعارضة المتحالفة مع التيارات الفاشية الدينية المتشددة طوائف كافرة.

في كانون الثاني 2012 حذَّرت بكل لقائاتي من أنّ الجيش السوري هو الضمانة الوحيدة بل هو العائق الوحيد و الحقيقي أمام اندلاع أي حرب أهلية طائفية بين السنّة و العلويين في حمص ولولاه لكان رد احياء الاقليات في حمص عنيفا فرغم ان مسيحيو حمص يشكلون 25%من المدينة فلم يحاول الجيش تسليحهم كما منع الاقليات الاخرى عن أي رد فعل على ما حصل من عنف ومجازر واغتصاب . وأوضحت في حينه أنّ المكونات المسيحية في سوريا منحازة بالمطلق للحرية والديموقراطية والعلمانية والاصلاح ولكنها تظهر وكانها تدعم النظام القائم وتدعم الأسد, لانهم مقتنعون بأن أي خيار آخر سيكون أسوأ وكل ما كانت تقوم به المعارضة السياسية التي تغطي العنف هو ابلست المسيحيين وبقية الاقليات وتبرير كل عنف تجاههم وخصوصا بحمص.

و في ملاحظاتي النقدية حول الأزمة السورية والدور الحقيرالذي قامت به الصحافة الغربية التي اتهمتها بالتحيز و التضليل. ففي أيلول2012 كتب عن لصوصية التغطية العربية والغربية للأزمة السورية وكانت ترفض اظهار أي معارض متوازن الرأي وتكتفي بالكراكوزات من النظام اللذين اساؤوا له اساءة بالغة واما من المعارضين فاكتفوا بمن يسهل مخططاتهم الطائفية واما أ دمار مدن في سورياالعلمانيين فاحتكرها بوق واحد من الاصوليين العلمانيين الذي كان يكتفي من السياسة بشتم الدين ورجال الدين والبوطي مما اساء اساءة بالغة للقضية العلمانية ودورها الوطني المعارض فكنت تجده صباحا على bbc وظهرا على العربية ومساء على الفضائية السورية وبأوقات الفراغ على سما والدنيا وشام ف-م وبأيام العطل عند فيصل القاسم على الجزيرة وباحاديث مثيرة دون حقائق و التي لم تورد أي شيء ايجابي عن ما يجري بحمص واما دور المعارضة التي سبق وحددتها بتاجيج الصراع الطائفي وعن الحكومة السورية وهامشيتها وضآلة مسؤوليتها عن اضرام الصراع الطائفي هناك. و أوضحت بأن الإعلام الغربي يتهم الحكومة السورية بأشياء لم تفعلها ولم تكن تجربتنا مع الحكومة ايجابية تماماً فنحن ايتام النظام والمعارضة بذات الوقت.

كما وجد ت احياء حمص التاريخية نفسها في آذار 2012 محاصرة من قبل القوات المسلحة السورية التي دعمتها لقناعتي بسوء البديل ولا ديموقراطيته ووجد 150 الف مسيحي انفسهم بلا ماوى فلم يكونوا يستمزجون البقاء تحت بسطار مسلحين قتلة فاهل مكة حمص ادرى بمسلحيها, أن قوات المتمردين بحمص كانت الأكثر تنظيماً وتدريبا بسوريا و اطلقوا على أنفسهم اسم الجيش السوري الحر ليستطيع الغرب تقديمهم لمواطنيه و كانوا يملكون الكثير من الطعام والسلاح والذخيرة وكانوا مدعومين مالياً و عسكرياً من قبل جهات اجنبية وعربية و بقي مع الاب فرانس 89 مسيحيا اغلبهم من المتقدمين مثله بالسن وتحولوا حقيقة لرهائن ممنوعة عليهم المغادرة من منطقتي بستان الديوان و الحميدية.

و في نهاية آذار دُمرالمنزل الذي ولدت وعشت به في بستان الديوان بصاروخ أطلقه الجيش السوري باتجاه مطعم يتخذه المسلحون الاسلاميون كمركز لهم و بالإضافة إلى قذائف وصاروخ اصابت قربه كنيسة سيدة السلام للملكيين الكاثوليك وهي المزينة باجمل فريسك وزجاج ملون بالشرق الادنى حيث كانت قد اتخذت مثل منزلنا مستودعات للمسلحين والذخيرة بينما لم يقصف الجيش مسجد عثمان ابن عفان قربها طيلة الاحداث لسبب وجيه لان المسلحين لم يستخدموه لاي سبب كان وذلك ليجنبوه القصف وهذه حقائق قلة من يعرفها والاقل من يفهم مغزاها وقتئذٍ خمس وتسعين بالمئة من مسيحيي حمص هربوا من المدينة شبه عراة تقريبا وتكلمت بوقتها عن عبثية القصف التي يقوم بها الجيش و أثارها الكارثية على منازل المسيحيين فقد كانت النتيجة الوحيدة تدمير الكثير من المنازل و الكنائس المسيحية جزئياً او بالكامل, بينما لم يتعرض المسلحين ممن اختبأوا في أقبية البيوت المسيحية لأي أذى.و رغم هذا كنت واضحاً فيما يتعلق بمن يتحمل مسؤولية هذه الكارثة وقلت بحينه انه لا يمكن أبداً قبول ما فعله المسلحون الاسلاميون بسيطرتهم على حمص القديمة والمناطق المسيحية و استخدامها كساحة قتال مع القوات المسلحة واستخدامهم كدروع بشرية. و تجربتنا مع الحصار و القصف من قبل القوات المسلحة لم تزعزع ايماني بمسؤولية التغطية الاعلامية العربية الطائفية والغربية الخبيثة و المتحيزة و المشوهة للأزمة السورية.

هذه التغطية التي اعتبرها عقبة كبيرة أمام السلام بسوريا حتى الان. و رغم التأكيد على صعوبة تقديم رواية محايدة تماما و مختلفة عمّا يقال عن ما حدث. فالعديد من الصحفيين وقعوا في مطب التصنيف بين أبيض و أسود. وبالنسبة لهم الشر و الخير لا يندمجان بل هما شكلان منفصلان وبشكل من التفكير البدائي الماقبل سياسي. و لذلك مجّدوا طرفا هم المسلحون و لعنوا آخر وهو الجيش وعارهم والحجة عليهم كانت حمص القديمة ومسيحييها المسالمين.

و على سبيل المثال لا الحصر ليس صحيحاً تماماً أن الحكومة السورية كانت سيئة بالمطلق و المعارضة جيدة تماماً بل العكس كان الاقرب للصحة. و لكن دعم أمريكا وأوربا و بعض الدول العربية للمعارضة الفاشية الطائفية المسلحة منها ومن غطاها من المعارضة السياسية ممن انخرطوا بقصد في تمجيد هذه المعارضة القرونوسطوية التي لا تشبهها الا طالبان افغانستان ومجرمي التمرد المسلح بالجزائر و بدون أي نقد حقيقي لما جرى فان كل محاولة لإيجاد حلٍ حقيقي هي هباء وقبض ريح.

و ما يشوش رؤيتنا و توصيفنا للحل الحقيقي هو عدم قيام المعارضة بنقد ذاتي وشهادة حية لحقيقة القتلة وزمنهم وتعريتهم وتعرية وجود مصالح معينة بعضها طائفي لدى تلك المعارضة التي ذكرتها اعلاه و دون ذلك سيسيرون الى حل الوطن وتقسيمه و اللادولة فليسيروا وهم سائرون وسيلعنهم التاريخ واحفادنا وهذه شهادتي لحقيقة ما جرى بحمص و الرواية المجهولة للكثيرين و عن المؤامرة المرتكزة على التساكن والتواطئ لبعض المعارضين مع الفاشية الجهادية ضد الحرية والكرامة .والديموقراطية وادعو الجميع وخصوصا العلمانيين والديموقراطيين والتقدميين من حمص للشهادة لتكون حجة على من تسبب بتدمير حمص وقتل وتهجير اهلها الطيبين المسالمين.