كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ما أشبه اليوم بالعاشر من محرم.. ما أشبهه بيوم رحيل ناصر العرب

أُبي حسن- فينكس

ختم حياته الشريفة كما كان يتمنى في نهاية كل خطاب له، بالشهادة، أرفع وسام سماوي ودنيوي يمكن أن يناله كائن بشري عاش الجهاد في سبيل قضية سامية ونبيلة عشقها وعشقته.. نعم ختم حياته الشريفة بالشهادة على طريق القدس بعد أن أمضى عقوداً في ميادين الجهاد والانتصارات..

مذ وعينا على الحياة لا نعرف عنه إلا الخير ولم نسمع منه سوى الصدق في القول والعمل لأجل لبنان والشعب الفلسطيني الذي تكالب عليه الطغاة العرب قبل أسيادهم في البيت الأبيض..

في قلب المعركة ارتقى سيد المقاومة كارتقاء جده الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من محرم.. ارتقى بعد أن تدثّر طوال سني جهاده بالعباءة الزينبية، متشبعاً بآداب المدرسة الكربلائية الحسينية.. رحل سيد المقاومة، وكأني أسمع السيدة زينب تقول: "اللهم تقبّل منّا هذا القربان"..

ارتقى وكأني أسمعه يوصي أبناء المقاومة الزينبية وعشّاقها وأنصارها في كل بقاع الأرض ومن أي جنس ولون وطائفة كانوا: “يا زينب.. لا تشقي عليّ جيباً، ولا تلطمي خداً، احفظي لي العيال والأطفال".

والأطفال والعيال هنا لبنان وفلسطين وشعبيهما.. العيال هنا هي القضية في أن نكون أو لانكون، وسنكون بإذن الله..

ما أشبه اليوم، ياسماحة السيد، بيوم الثامن والعشرين من أيلول عام 1970، عندما غاب الرئيس جمال عبد الناصر.. ناصر العرب.. فيوم رحيله أو اغتياله، شعر العرب بقضهم وقضيضهم بالفقد واليتم، ومن عاش تلك المرحلة يدرك دقة المقاربة، فسماحته ارتقى في قلب معركة طوفان الأقصى نصرة لغزة ودفاعاً عن لبنان وشعبه، والزعيم عبد الناصر الذي ارتقى في التاريخ ذاته قبل أربع سنوت ونصف قرن بالضبط بعد أن ودّع آخر أمير عربي مرتهن للطاغوت الأمريكي حضر القمة العربية المنعقدة على خلفية مجازر أيلول الأسود التي قام بها الحسين بن أبيه ضد الشعب الفلسطيني...

كانت الجهات التي طعنت جمال عبد الناصر في حربه وسلمه هي ذاتها الجهات الأعرابية التي تعرض لطعنها سماحة السيد! هل ثمة غرابة في ذلك؟!..

وإن فات جيلي الفخر بأن يعيش زمان الرئيس جمال عبد الناصر، فحسبه فخراً أنه عاش في زمان سماحتك..

قلّة يعرفون، أن البعض من قدامى أعضاء حزب الله كانوا ناصريين، في فتوتهم ومقتبل شبابهم، قبل تأسيس حزب الصادقين في لبنان، ولاغرابة في هذا، إذ المدرسة التي أنشأها الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر، وبمعزل عن الخلاف في بعض التفاصيل مع سني حكمه، كانت مدرسة حسينية كربلائية، بمعنى أنها تأنف الرضوخ لقوى الاستكبار، وتناصر المستضعفين في الأرض (وهم آنذاك الشعب الفلسطيني وكذلك الشعب الجزائري أبّان ثورته المجيدة)، ولعمري هذه هي أهم ركائز المدرسة الكربلائية الحسينية التي لاتقف عند تفاصيل من قبيل كيفية الصلاة، عاقد اليدين أم مسبلهما.

لم تكن مأساة سماحة السيد حسن نصر الله (يارب العرش ما أعذب هذه الجملة وكم لهجها يثلج الصدر) كائنة في عدونا الوجودي كعرب ومسلمين (أي الكيان المؤقت) فقط، بل كائنة في وفرة الذباب اليزيدي، في هذه المعركة بالذات، ابتداء من الذباب القادم من قطر وغيرها من مشيخات النفط والعار وصولاً للذباب القادم من تركيا أردوغان الكذب والنفاق، خدمة ليزيد العصر أي الطاغوت الأمريكي..

موحشة حياتنا من دون سماحتك ياسيد، إذ لن نعد بعد الآن ننتظر خبر الإعلان عن خطاب لك كي نتسمّر أمام شاشات التلفزة أو أجهزة الجوالات كي تبثّ فينا الأمل نافخاً فينا روح اليقين بأننا سنحرر فلسطين وعاصمتها القدس..

رحل سيد المقاومة، ولاشيء يعوض عن غيابه، حتى لو احترق الكيان بمن فيه ومن يقف خلفه من أعراب وأغراب.. ارتقى شهيداً شامخاً صادقاً في قوله وعهده ووعده.. رحل طاهر القلب واليد والوجه واللسان....

لكن مهلاً ياسيدي، سماحة السيد حسن نصر الله، فبعض مايواسينا هو المدرسة التي أنجبتها وربيتها وسهرت الليالي عليها، مدرسة حزب الله، التي تقتدي بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، في الحرب: “تد في الأرض قدمك، أعر الله جمجمتك وانظر إلى أقصى القوم”.

قبل أن أقرأ بيان الحزب ينعيك بلحظات، اتصلت بالصديق الباحث صقر أبو فخر، أسأله عن صحة الخبر، فأرسل لي بيان الحزب مع رثاء يليق بكم سيدي، إذ قال: "رحل هذا البطل المقدام. رجل لا كل الرجال، مقاتل حين تخاذل الجميع؛ فدائي حين عزّ الفدائيون. حزننا كبير جدا جدا"...

سماحة السيد حسن نصر الله، سلام الله عليك يوم ولدت ويوم ارتقيت شهيدا على طريق القدس ويوم تبعث حيا..