كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قراءة أولية لزيارة الرئيس الأسد إلى موسكو..

أحمد رفعت يوسف- فينكس

في الشكل.. ليس سرا، ان التواصل الهاتفي بين الرئيسين الأسد وبوتين، مستمر ومتواصل، وبأكثر مما يعلن عنه في وسائل الإعلام.
كما أن الرسائل والبيانات الرسمية، حول علاقات البلدين، والأمور المشتركة، متواصلة سواء عبر الرئاسة، او وزارتي الخارجية.
هذا يعني ان هناك مواضيع هامة وملحة، استدعت لقاء الرئيسين، بشكل شخصي ومباشر.
ما اورده البيان الرسمي، الصادر عن الكرملين، يعطي مؤشرات كثيرة، عن الجو العام الذي استدعى الزيارة، وهذا ما قاله الرئيس بوتين "أن الوضع يزداد توتراً في الشرق الأوسط، وأن المباحثات مع الرئيس الأسد، فرصة لبحث كل التطورات، والسيناريوهات المحتملة".
أما الرئيس الأسد، فقال لبوتين "بالنظر إلى كل الأحداث التي تجري في العالم أجمع، وفي المنطقة الأوراسية حاليا، يبدو اجتماعنا اليوم مهما للغاية، لمناقشة كافة التفاصيل، المتعلقة بتطورات هذه الأحداث، ومناقشة الآفاق والسيناريوهات المحتملة".
هذا النص، يؤكد بوضوح، أن الرئيسين يستشعران تصعيداً خطيرا، في فلسطين المحتلة، وعموم غرب آسيا، وغير بعيد عنها الجبهة الأوكرانية، المرتبطة بها ارتباطا وثيقا.
ومع عدم وجود تفاصيل رسمية، لهذه التطورات المتوقعة، فيمكن معرفة الكثير من تفاصيلها، من قراءة الصورة الحالية، للوضع في المنطقة واحتمالاتها.
** إسرائيل تبدو عاجزة، عن تحقيق اي من أهداف العدوان على غزة، رغم مرور أكثر من تسعة أشهر عليه، وما تحدثه من توحش في القتل والتدمير، هو دليل على العجز، كما أنه يحطم الصورة النمطية، التي حاول قادة الكيان الصهيوني رسمها عن كيانهم.
** إسرائيل تستشعر خطراً حقيقياً في جبهة الشمال، مع المقاومة اللبنانية، حيث تبدو عاجزة عن وقف تآكل الردع الإسرائيلي، مع توسيع المقاومة لعملياتها بشكل يومي، وتحطيمها الحالة المعنوية للجيش والمجتمع الإسرائيلي على حد سواء، مع الأفلام التي بثتها، للمواقع الاستراتيجية الإسرائيلية، التي صورتها عبر هد.هد ١ و ٢ و ٣، والتي كشفت، هشاشة الأمن الإسرائيلي.
** الكيان الصهيوني، الذي كان يقف على رجل ونصف بانتظار عمليات المقاومة اللبنانية، يبدو اليوم وهو يقف على رجل واحدة ومرتجفة، بانتظار الرد على عدوانه، على الجبهة اليمنية.
** المسؤولون الإسرائيليون، يدركون أن الصراع، على وشك الدخول في المرحلة الخامسة، والتي تعني توسع الحصار لكيانهم، من البحر الأحمر، ليشمل البحر الأبيض المتوسط، ومن حصار إيلات، لحصار مينائي حيفا واسدود، ومن البحر الأحمر، ليشمل المحيط الهندي، وراس الرجاء الصالح.
** الأخطر من كل ذلك، أن قادة الكيان الصهيو.ني، يدركون أن العمليات، ستدخل المرحلة السادسة من الصراع، في فترة لن تزيد عن الشهرين، وهذه المرحلة، تعني الدخول في حرب التحرير، اي اننا سنرى المقاومون، يدخلون الكيان الصهيوني محررين، وتحديدا من جبهتي لبنان والجولان، إضافة إلى الضفة الغربية، مع ما يحمل ذلك من مخاطر انهيار الجبهات الأخرى، وتحديدا الاردنية والمصرية.
أما الجانب الأمريكي، فهو في مواقف لا تقل صعوبة، عن الكيان الصهيوني.
** فمع وجود ضباط أمريكيين، في غرفة العمليات التي تدير العدوان على غزة، فهذا يعني أن الفشل أمريكي، كما هو إسرائيلي.
الأمريكيون فشلوا، في تحقيق أهداف حشدهم البحري في البحر الأحمر، ضد اليمنيين، وتلقوا هناك ضربات مؤلمة، وصلت لأول مرة إلى حاملة الطائرات ايزنهاور، مما كشف هشاشتهم أمام الصين وروسيا.
** معرفة الأمريكيين، من أن تطور الصراع، سيطيح بالهدنة الهشة، مع محور المقاومة، التي أوقفت ضرباتهم، لقواعدها في سورية والعراق.
** العجز الأمريكي، عن تحقيق الأهداف في أوكرانيا، مع ما يعني ذلك، من مخاطر على الحلفاء الأوروبيين.
** دخول الولايات المتحدة في مرحلة الانتخابات الرئاسية، التي كشفت عن انقسام حاد، في المجتمع الأمريكي، يهدد استقرارها الداخلي.
ما يربط بين كل هذه التطورات، ان قادة الكيان الصهيوني، بدؤوا يستشعرون مخاطر وجودية حقيقية، على كيانهم، وهو ما ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت تستشعر خطرا حقيقيا، على تواجدها في منطقة غرب اسيا، التي تعتبر المؤشر، على صعود وانهيار الإمبراطوريات، والدول العظمى، وخسارتها المعركة، في هذه المنطقة، تعني الاعلان الرسمي لانتهاء العصر الأمريكي.
هذه الحالة، ستضع أمر القرار الأمريكي الإسرائيلي، بيد الرؤوس الحامية، في واشنطن وتل أبيب، وهو ما سيعني أن المنطقة مقبلة، على تصعيد خطير، وهو ما حذر منه الرئيس بوتين، في لقائه مع الرئيس الأسد، واستلزم التشاور الشخصي بينهما، حول الوضع وخطورته، وسبل مواجهته.
اللافت أن موضوع اللقاء المحتمل بين الرئيس الأسد، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، لم يكن بنداً رئيسياً على جدول محادثات الرئيسين، ولم يطلب الرئيس بوتين من الرئيس الأسد، اللقاء بأردوغان، في خطوة فسرتها مصادر روسية، بأنها تنطلق، من معرفة الرئيس بوتين، بموقف الرئيس الأسد، من اللقاء مع أردوغان.
ما يمكن التأكد منه هو أن المنطقة، مقبلة على مرحلة تصعيد، يجعلها مفتوحة على كل الاحتمالات، لكنها المعركة التي لا بد من خوضها، والتي تؤكد كل المؤشرات، أنها ستنتهي، بكسر حلف العدوان، وانتصار محور المقاومة، وظهيره الاستراتيجي، في موسكو وبكين، وهو الانتصار، الذي سيفتح المجال لأول مرة، أمام نهوض حقيقي للمنطقة، لم تتوفر ظروفه وعوامله، منذ أكثر من خمسة قرون من الزمن، وسيكون هذا التحول الدراماتيكي، البداية الحقيقية، لانتقال العالم، من عصر القطب الواحد، برأسه الأمريكي الفاسد، إلى العالم المتعدد الأقطاب، مع ما تعني هذه التطورات، من انهيار وهبوط إمبراطوريات، ودول عظمى، وكيانات، وأنظمة، وصعود أخرى، ومن حقنا، أن نعيد التذكير، بأن الانعطافة الأولى لكل هذه التحولات الدراماتيكية، بدأت من صمود سورية، في وجه مخطط الشرق الأوسط الجديد، وفشله في إسقاطها.