روسيا أوكرانيا حرب صغيرة أم كبيرة؟
د. أحمد الخميسي- القاهرة
ألقيت نظرة على عدد من الصحف الروسية الصادرة مؤخراً ومنها "كوميرسانت"، و"ازفستيا" وغيرها، ووجدت أن معظمها يشير إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا على أنها " عملية عسكرية في أوكرانيا".
وقد يكون ذلك الوصف دقيق إذا وضعنا في اعتبارنا ميزان القوى القائم لصالح روسيا. لكن الحرب تبقى حرباً مهما تغطت بكلمات أخرى. وقد أشعلت الأحداث في ذاكرة ابنتي " هانيا" – وهي من أم روسية – ذكريات طفولتها حين كانت تعيش في روسيا فكتبت على صفحتها في فيس بوك تقول: " صدمني خبر الحرب. زلزلني، ذلك أن جدتي أولجا كانت أوكرانية، بينما جدي ساشا روسي، أحبا بعضهما البعض وعاشا حياة طويلة في محبة إلى أن توفيا، مثلهما مثل الكثير من العائلات الروسية الأوكرانية، الآن، وياللأسف أصبح كل ذلك في الماضي الذي لن يعود أبداً. إنني اليوم أصلي من أجل السلام، من أجل الأوكرانيين والروس معاً، أصلي وأتذكر ًجدتي أولجا وجدي، وأقول لهما إنهما في قلبي ومعي دائما".
لا يمكن لأحد أن يؤيد الحرب، فهي بكل المعايير حدث بغيض، لكن كراهة الحروب لا تعني أن ينعدم التمييز بين حروب عادلة، وأخرى عدوانية. كانت حرب أكتوبر عام 1973 حربنا العادلة التي تعين علينا خوضها، كما كانت وتظل حرب الشعب الفيتنامي، والفلسطيني، لتحرير أرضه حرباً عادلة. أما شعار: "نحن ضد كل الحروب" فإنه يعني مساواة ما هو "عدواني" بما هو "عادل" وضروري.
من ناحية أخرى لا ينبغي أن تسوقنا الآلة الاعلامية الغربية الى موقفها مما يجري، ذلك أن أقل عطسة في أوروبا كفيلة بأن تمسى حدثاً دولياً، بينما تتواصل الحرب على الشعب اليمني للعام السابع ويقتل اطفاله يوميا، كما تم تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن وجرى تقسيم السودان وتهجير الملايين من دون ذلك الغضب العالمي الذي لا تحركه مباديء قدر ما تحركه المصالح.
جدير بالذكر أيضا أن هناك خلطا بين الدعوة لوقف الحرب، وبين النظر في أسبابها الحقيقية، ذلك أن أوكرانيا دولة صغيرة على حدود روسيا مباشرة، ولا أقول إنه كان عليها أن تراعي العلاقة مع روسيا أخذاً بتاريخ عريق مشترك لغويا وثقافياً وعرقياً، لكن كان على أوكرانيا بالحتم أن تنتهج سياسة الحياد بين روسيا وحلف الناتو فلا تطلب الانضمام للحلف ولا تعمل على تحويل أرضها الملاصقة لروسيا إلى منصة صواريخ للحلف، وإذا كانت أمريكا في أكتوبر 1962 اعتبرت أن وجود صواريخ في كوبا التي تبعد عنها تسعين ميلا تهديد لأمريكا، فإن من حق روسيا وهي ترى صواريخ على عتبة دارها أن تعتبر ذلك تهديداً مباشراً لها.
من الضروري أيضاً إدراك أنه لا يمكن للسلام أن يستتب في أوروبا بإخراج روسيا من أي معادلة سياسية، أو من دون مراعاة مصالح روسيا حتى عندما تمسي تلك المصالح رأسمالية تنافس النظم الرأسمالية الأخرى ولا تحاربها.
أخيراً يتبقى ما يقال من إن هذه الحرب هي إعلان عن انتهاء العالم أحادي القطبية، وأظن أن المشكلة ليست في أحادية أو تعددية الأقطاب، بل في رأسمالية النظام العالمي إجمالاً، سواء تعددت أطرافها وتصارعت، أو قل عددها وتناغمت.
المؤسف في الأمر أننا نزن احتمالات تحول الحرب إلى حرب كبيرة أو بقائها محاصرة في دائرة صغيرة، لكننا نزن كل ذلك بحسابات العقل، بينما يحدث أحياناً أن تنفلت الأمور من دائرة العقل إلى الحماقة والمصادفة والغلطة غير المقصودة.
أخيراً فإننا سنظل ندعو أن تتوقف هذه الحرب، سواء أكانت خاطفة أم طويلة، وأن يعم السلام، وأن تنشأ من جديد علاقات المحبة بين الشعبين،وأن ترفرف روح "أولجا" جدة ابنتي، و"ساشا" جدها في شباب اليوم، وفي تفاصيل عصرنا، وقصائده، وعلومه، وأحلامه.