التاريخ يُضبَط على توقيت "موسكو- دمشق"
2022.02.27
أُبي حسن- فينكس
راهنَ النظامُ الأوكراني المُرتهن للغرب على تدخّلٍ أمريكيّ يردعُ الغضبَ المُحقّ للدُّبّ الروسيّ، لكن، ها هيَ العمليّة العسكريّة الروسيّة تدخُل يومَها الرابع وسطَ اكتفاءٍ بتنديدٍ (أمريكيّ- أوربيّ)، وتخبُّطٍ وتناقُضٍ في التصريحات للأنظمة الدائرة في الفُلك الأمريكيّ في الشرقِ العربيّ.
واكتفاءُ الغرب -وفي طليعتهِ الولايات المتحدة الأمريكية- بتلكَ التنديدات، وأحياناً تقديم مُساعداتٍ خجولة للنظام الأوكرانيّ إن أكّدَ على شيء فإنّه يؤكّد على معرفتهِ بأنَّ "روسيا البوتينيّة" هيَ ليست "روسيا يلتسين".
لم يكُن الاتحاد الروسيّ راغباً في العملِ العسكريّ، كما عبّرَ قادتهُ عن ذلكَ مِراراً، لكنَّ فشلَ المُفاوضات الهادِفة إلى تحييدِ "أوكرانيا" عن ملعبِ "الناتو" بحيث لا تصبح أوكرانيا شوكةً في الخاصِرة الروسيّة، وتعنّتَ طاقَمِ الحُكم فيها وصمَّهُ الآذانَ عن هواجسِ جيرانهِ الأقرب دفعَ بالروس إلى علاجِ المُشكلة بالكيّ بُغيةَ تصويبِ التاريخ وفقَ تعبيرِ الرئيس "بشّار الأسد".
منذُ سُقوطِ جدار برلين في نوفمبر /1989/، وما تبعهُ من انهيارٍ للاتحاد السوفييتيّ في ديسمبر /1991/، والعالَم يعيشُ حالة فوضى سببُها الأحاديّة القطبيّة القائمة على الهيمنة و الغطرسة والاستكبار، مُمثَّلةً بالولايات المُتّحدة الأمريكية، تلكَ القطبيّة التي دمّرتِ "العراق" من خلالِ توريطهِ بغزو "الكويت" صيف عام /1990/، مروراً بتدميرِها المُمنهج لبلادِ الرافدين طوالَ عقدِ تسعينيّاتِ القرن الماضي، وصولاً لغزوِها "العراق" عام /2003/، وهيَ القطبيّة ذاتُها التي دمّرت "أفغانستان" على خلفيّةِ أحداثِ أيلول /2001/.
ولم تتوقّف شرورُ الولايات المتحدة عندَ حدّ، فهيَ مَن وقفت خلفَ ما أسمتها "الثورات البرتقاليّة"، و "النرجسيّة"، و "الورديّة"، و"العسليّة".. (أضيفوا ما شِئتُم من أسماءِ ثوراتٍ برّاقة تتناسب و المقام هُنا) في أوربا الشرقيّة عقبَ انهيار المُعسكر الاشتراكيّ، وهيَ التي موَّلت ووجّهت واستثمرت ما يُسمَّى بِـ "الربيع العربيّ" المَزعوم. وما كانَ لأمريكا أن تُعربدَ هذهِ العربداتِ كلَّها دونَ حسيبٍ أو رقيب فيما لو كانَ ثمّةَ نِدٌّ لها في العالم يلجمُها، واضِعاً لها حدّاً.
حتّى تاريخ (23) شباط /2022/ كادَ العالَم أجمع يعتقد أنَّ الهيمنة و العَربدة الأمريكيّتين قدرٌ على العالم، ولا مناصّ سِوى التسليم بهذا القدر والرضوخ له!، ألم يكدِ العالمُ أجمع يُصدّق بما كتبهُ المُثقف الأمريكي الكبير "فرانسيس فوكوياما"، ونعني ما أتى في كتابهِ "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" من خلالِ ترويجهِ بأنَّ الرأسماليّة ذاتَ النموذج الأمريكيّ هيَ آخرُ ما يمكنُ أن يبتكرهُ عقلٌ بشريّ؟َ!
بهذا المعنى نفهمُ قولَ السيّد الرئيس "بشّار الأسد" إبّانَ اتصالهِ بالرئيس الروسيّ "فلاديمير بوتين" في (25) شباط /2022/ في أنَّ "ما يحصَلُ اليوم هوَ تصحيحٌ للتاريخ، وإعادةٌ للتوازنِ إلى العالمِ الذي فقدهُ بعدَ تفكُّك الاتحاد السوفيتي، وأنّ الهيستريا الغربية تأتي من أجلِ إبقاءِ التاريخ في المكانِ الخاطِئ لصالحِ الفوضى التي لا يسعى إليها إلّا الخارجونَ عنِ القانون، عادّاً أنّ "روسيا" اليوم لا تُدافع عن نفسِها فقط، وإنّما عنِ العالم وعن مبادئِ العدل والإنسانيّة".
نعم، إنَّ روسيا البوتينية تُصحّح التاريخ، كما تفضّلَ بالقول سيّدُ الوطن، و لا نبالغ إذا قلنا: لقد بدأَ تصحيح التاريخ مُذ باشرَ الجيشُ السوريّ بقيادتِه بمُحاربةِ قطعانِ الإرهابيَينَ الذينَ دجّنتهُم الولايات المتّحدة الأمريكيّة لصالحها وأطلقتهُم في سوريا مطلع عام 2011، مُعتقدةً -واشنطن- و أذنابها من أغرابَ و أعراب أنَّ "سوريا" لُقمة سائغة، و لن تكونَ بعدَ ثورتهِم المزعومة فيها حجرَ عثرةٍ في وجهِ المشاريعِ الأمريكيّة الجهنّميّة في المِنطقة..
نعم، بدأَ تصحيحُ التاريخ منذُ أخذت القيادة السوريّة، بالاتّفاق مع الأصدقاء الرّوس العملَ على إفشالِ المُخطّط الصهيو- أمريكيّ في سوريا، وما تقومُ بهِ "موسكو" اليوم هوَ تكريسُ ذلكَ التصحيح و فرضهُ على مُستوى العالمِ أجمع من خلالِ التخلّصِ من هيمنةِ الأحاديّة القطبيّة بما جرّتهُ للبشرية من مآسٍ وويلات..
إنَّ التاريخ يُضبَط على توقيتِ "موسكو- دمشق"..