كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عن الاحلام المغدورة واليوم العالمي لحرية الصحافة!

صبري عيسى

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، أستعيد بعض المحطات من سنوات عملت فيها في هذه المهنة التي تسللت الى مسامات جلدي ولم تغادره، وكان الحلم بأن أشهد في حياتي قيام صحافة حرة، ولم يتحقق الحلم، وجاء التطور المذهل في وسائل التواصل والصحافة الرقمية ليمنحني أنا وغيري بعض ماكنا نحلم به، ووفر لنا بيئة أكثر حرية في التعبير والتواصل مع الناس والحدث بالكلمة والصورة، ولكن لم يخل الأمر من أيام مضيئة عملت فيها مع من تركت تجربتي معهم صفحات بيضاء أفتخر بها.
وأستعيد هنا تجربة العمل مع المرحومين الأستاذ جلال فاروق الشريف والأستاذ محمود سلامة:
أعترف وبكل فخر واعتزاز أنني عملت مع اثنين من المديرين العامين في الصحافة السورية حاولا أن يقدما صحافة تتصالح مع الناس، وتعبّر عن همومهم وتطلعاتهم، الأول المرحوم الأستاذ جلال فاروق الشريف الذي عملت معه في التأسيس لصحيفة «تشرين»، وكان هذا الرجل مهنياً من الطراز الأول، جاء والجريدة في أفقر أوضاعها، عندما كانت تصدر في بداية التاسيس بأربع صفحات، وكانت تشغل غرفتين في مطابع صحيفة «الثورة» بدوار كفرسوسة قبل بناء مبني الجريدة المواجه لدوار كفرسوسة، وغرفتين في معهد الاعداد الإعلامي الذي كان هو مديره، وشكّل طاقماً للتحرير من الخبرات الإعلامية والثقافية البارزة في سورية، وكان منهم أساتذة غادروا الحياة وتركوا ارثاً ثقافياً وإبداعياً يعرفه كل السوريين ومنهم الأساتذة د. غسان الرفاعي- عادل أبو شنب – محيي الدين صبحي- وآخرون. وكان من المجموعة المؤسسة المرحوم الأستاذ جبران كورية، وكان الشريف يطمح بتأسيس جريدة تتصالح مع الناس، وتعبّر عن اهتماماتهم وهمومهم وتكون منبراً حراً لكل السوريين، وعملنا بجهود مكثفة على زيادة عدد صفحات الجريدة لتصبح 12 صفحة بالحجم الكبير، قمت أنا بتصميم وتبويب صفحات الجريدة، التي أبدع في كتابة ترويستها الفنان الخطاط المرحوم توفيق حبيب وصمم شعارها المبدع الفنان الكبير الأستاذ أسعد عرابي، ولتكون أول جريدة تتم طباعتها بطريقة الأوفست في تاريخ الصحافة السورية، وحدد يوم الإصدار الثاني في 17 نيسان كتحية ليوم الجلاء العظيم، وكانت ساعات انتظار طباعة الجريدة كل يوم على مطابع الإدارة السياسية غنية بحوار ممتع وغني ينتهي بتسلم كل منا عدد الجريدة لمراجعته قبل إعطاء الإذن بطباعته، ثم يقوم الأستاذ جلال (أبو الفضل) بإيصالي لمنزلي في ساعة متأخرة ليلاً، لكن الأستاذ جلال لم يكمل عامه الأول بسبب ماتعرض له من منغصات ممن لم يرغبوا بصحافة تعبّر عن حياة الناس!
على الصفحة الأخيرة تناوب على كتابة زاوية «عزف منفرد» اليومية الكبيران الشاعر الراحل محمد الماغوط والأستاذ زكريا تامر ـ أطال الله في عمره ـ القامة الإبداعية الذي لايزال يواصل مسيرته في الكتابة الإبداعية كل يوم.
وأتذكّر بمودة حضورهما مساء كل يوم بالتناوب ليقوما بتصحيح زاويتهما، وكنت أترك لهما مكتبي بسبب ضيق المكان ليقوما بذلك في جلسة مودة وحوار يومي ممتع معهما، لاتزال تسكن ذاكرتي وأفتخر بها حتى الآن.
الثاني الذي عملت معه هو المرحوم الأستاذ محمود سلامة الذي كان يملك حماساً وطنياً لتطوير العمل في صحيفة «الثورة»، وكان هذا الرجل يملك حساً مهنياً ورغبة في رفع المستوى المهني للجريدة، ونشأت بيننا صداقة ومودة وتقدير وجهد يومي لساعات طويلة أزعجت البعض، لكن (الرفاق) في الجريدة لم يعطوه فرصة ليقوم بمشروعه وأنهكوه بالتقارير، لأنه لم يكن حزبياً ولم يكمل عامه الأول في الجريدة، حيث تمت إقالته، وتوفي بعد أشهر من إقالته!
وأستعيد هنا عبارة إهداء لروايته «ليلة نبع الفوار» وهو يقدمها لي:
(ترى هل تتمكن الأجيال اللاحقة من استرداد أحلامنا المغدورة، هل نخرج من الشرنقة ذات يوم ونولد من جديد؟... آه يا صبري).
تنويه:
صبيان صحافة الواسطة الذين تناوبوا على إدارة تكية صحيفة تشرين قاموا بإلغاء ترويسة جريدة تشرين التي تصدرت الصفحة الأولى فيها منذ التاسيس، واستبدلوها بتصميم غاية في الرداءة وقلة الذوق، مع ان ترويسة أي جريدة جزء من تاريخها المهني، وغاب عن عقولهم أن تروسة جريدة الأهرام لاتزال تتصدر الصفحة الأولى من الجريدة منذ قرن ونصف، وترويسة جريدة البعث لاتزال تتصدر ترويستها منذ الأربعينات!