كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عبد اللطيف الذي اعتقدنا بأنه يشبهنا

أخيل عيد

التقيته صدفةً في غرفة الانتظار عند طبيب الأورام في دمشق منذ أربع سنوات.
كنت أنتظر خروج أقربائي من غرفة المعاينة وكان ينتظر دوره حاملاً في وجهه كل هموم الدنيا، وفي يديه ملف التحاليل والصور الخاص بلاريسا زوجته.
لم يكن هناك من بدٍ من إلقاء السلام عليه، ذلك السلام الذي تحول إلى سردٍ محزنٍ لتطورات حالة زوجته ورحلتها مع المرض الخبيث منذ أكثر من عشرة أعوام.
العبارة التي ابتدأت الحديث كانت أن السينما هي الحياة بعد حذف المشاهد المملة، وكان تعليقه يومها بأنها -أي الحياة- قاسية وموحشة بما لا يطاق، ولم يحتمل إلا أن يسرد لهذا الغريب العابر همومه التي تسحق روحه حول الخوف من فقدان لاريسا.
عبد اللطيف عبد الحميد الذي يشبه كثيراً الشخصية التي جسدها بسام كوسا في فيلم "نسيم الروح"، والجاهز دائما للظرافة في قصصه المسرودة على حسابه الذي أتابعه، لم يكن مطلقاً يشبه هذا الرجل المحزون الذي يتكلم طويلاً بكل هذا الحزن وهذا الأسى حول فعل كل ممكنٍ دون جدوى.
تابعت رحيل زوجته المحزن وأساه المتفجر الذي ظهر على حسابه، وفي اللقاء الذي أجرته الميادين معه في بيته، والذي كان يشبه لقائنا في العيادة في جوه وحديثه ودموعه مع تفاصيل إضافية عن الفقر والظروف الذين رافقا ذلك الحب وتلك الزوجة التي غادرت وطنها وكانت له وطناً ثم غربته برحيلها.
أفقت اليوم على خبر رحيله، أنا الرجل المتصالح تماما مع الموت، لأنه ٱخر الأشياء المدهشة، وأنا متأكدُ بأن غربته انتهت وأن لقاءه بأحبائه قد تم، لذلك لم أكن حزيناً عليه في هذا الصباح، لقد كنت حزيناً علينا نحن الباقون في هذا الجحيم الذي خلا من الضحكات العالية ومن عبد اللطيف عبد الحميد العملاق الذي جعلنا بلطافته العميقة نعتقد بأننا نشبهه.