كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

على هامش يوم ميلادي

أُبي حسن: 

في طفولتي وفتوتي، لم أكن -بحكم التربية والثقافة البيئية التي كانت حينذاك- أهتم بيوم مولدي..
في مقتبل العمر، ومع بدايات تلمس المستقبل ومفاتيحه، وماكنتُ أواجهه من صعاب، صرت أعتبر -كنوع من المواساة على الفشل في زحزحة الصخرة الصلدة للصعوبات- أن التاريخ الذي ولدتُ فيه هو تاريخ شؤم عموماً، ففي مثل هذا اليوم أي 16 أيار 1849، تمّ نفي الفيلسوف كارل ماركس من ألمانيا، وفي اليوم ذاته من عام 1916 كانت اتفاقية سايكس بيكو التي كان كاتب هذه السطور وأترابه، والملايين ممن سبقوه، أحد ضحاياها، ومازلت أدفع ثمنها من عمري ومن مستقبلي.. وفي هذا اليوم من عام 1988 ارتحم المخرج المسرحي الكبير فواز الساجر.
وفي تواريخ سابقة ليوم مولدي بيضع ساعات، كانت نكبة فلسطين من عام 1948، وكذلك وفاة المسرحي الكبير سعد الله ونوس عام 1997.. الخ.
وأذكر أني أمضيت عيد ميلادي من عام 1995 في إحدى الثكنات العسكرية المجاورة للجبهة في الجنوب السوري، حيث كنتُ أخدم العلم في إحدى القطع العسكرية في الغوطة الشرقية فقصدت قريباً لي يخدم على مقربة من الجبهة في ذكرى ميلادي. وفي عام 1996 أمضيته في سجن القطعة التي كنتُ أخدم فيها بسبب مخالفات وتجاوزات أقدمتُ عليها.
بعد عشر سنوات، أي 16 أيار عام 2006، كُنتُ ذاهباً إلى بيروت، وبسبب قربي مما يُسمى معارضة سورية، فقد كنتُ أتوقع توقيفي على الحدود على خلفية إحدى البيانات التي كنتُ قد وقعتُ عليها، فاحترازاً كتبت رقم ميشيل كيلو على قصاصة من ورق وأعطيتها للسائق، طالباً منه الاتصال بهذا الرقم حال توقيفي. المفارقة أني سمعت حال وصولي لبيروت أن بعض السلطات السورية قد أوقفت ميشيل كيلو، وبعد نحو العام أو أكثر سأعرف أن سبب توقيفه هو تنسيقه الجيد جداً مع الأخوان المسلمين، حتى بخصوص البيانات!.. الخ. 
فور عودتي من بيروت، ذهبتُ إلى منزل أستاذي الشاعر الراحل ممدوح عدوان حيث كانت رفيقة دربه إلهام عدوان قد أعدت لي طبقاً من الحلوى ودعت إليه (احتفاء بيوم ميلادي) الدكتور أحمد برقاوي (وكان بيننا ودّ ومحبة) والعزيزة منى عبد اللطيف وربما العزيزة هيفاء عدوان إن لم تخني الذاكرة، وهذه هي كانت المرة الأولى والأخيرة التي أقطع بها قالب حلوى في يوم ميلادي، حتى أني تناولت سكين قطع الحلوى بطريقة خاطئة لانعدام التجربة.
لاحقاً، لم أعد أنظر إلى هذا اليوم، بوصفه يوم شؤم، فببساطة، شأني شأن الملايين غيري، من الذين كان قدرهم أن يولدوا في هذه المنطقة من العالم، ما حتّم على أبنائها المخلصين النضال ثم النضال ثم النضال بغية خلق واقع أقل بؤساً وشقاء، وقد أكون عبارة عن ذرة صغيرة في منظومة نضالية عمرها أكثر من قرن، إذ سبق لأجدادنا أن ناضلوا كافة أشكال القهر والفقر والاحتلال.. الخ، بهدف تحسين شروط الواقع الذي كان، ويشرّفني أن أكون سائراً على غبار طلعهم.
ختاماً: اليوم، كان عيد ميلادي مميزاً، وفق اعتقادي، إذ شرّفني في فينكس الصديق العزيز الشاعر محمد قرفول، كما ذهبت في زيارة غداء إلى منزل الأستاذ الكبير محمود يونس، أو النهضوي الكبير كما أحبّ أن أصفه، وكما هو حقاً.
ختاماً: كل عام وأنتم ووطننا وأحبتنا بألف خير.