كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

يوم في حياة مواطن مهزوم

صبري عيسى

 منذ شهرين و أنا أتجنب النزول الى دمشق بسبب صعوبة المواصلات، وخرجت من عزلتي أمس وبالصدفة وفي حالة نادرة وجدت نصف الباص فارغاً في الضاحية فركبت فيه، و وصلت إلى جسر الرئيس وركبت أيضاً باصاً ذاهباً الى المهاجرين حيث مقر صندوق تقاعد الصحفيين بالعفيف، وقبضت راتبين، و لا يأخذكم الكلام بعيداً فراتب شهرين لتقاعد أي صحفي أقل من أربعين ألف ليرة وهي أقل من سعر كيلو لحمة غادرت موائد السوريين.
ثم مشيت من العفيف باتجاه السبع بحرات في طريقي إلى القصاع لشراء زيت وطحينة، و لفت نظري غياب ازدحام حركة السيرفي شارعي الباكستان وبغداد، واصطفاف سيارات كثيرة واقفة على جانبي الشارعين، وكان هناك طابور طويل من السيارات يمتد من جوار كازية الأزبكية حتى موقف السادات بانتظارالحصول على البنزين!
اشتريت لترين من زيت الزيتون ب44 الف وكيلو زيتوناً أسود بتسعة آلاف بفارق شاسع في السعر عن الشراء من ضاحية قدسيا، لكنني فوجئت بأن سعر كيلو الطحينة في محل الرفاعي بالسادات بخمسة وعشرين ألف ليرة، ولم اشتره، وقررت شراء السمسم وصنع الطحينة في البيت، وتابعت سيري باتجاه العمارة ودخلة القزازين مع غياب ازدحام الناس وخلو المحلات من الجانبين من المشترين، و لفت نظري أيضاً غياب الزوار والمارّة حول مقام الست رقية إلّا قلة من لابسات العباءات السوداء، مع أن كثافة الازدحام في هذا الشارع في سنوات سابقة كانت تشكل صعوبة في المرور مع غياب البسطات التي كانت تعرقل المرور، وبقيت المحلات تعرض بضائعها المختلفة من الألبسة على الجدران مع غياب المشترين وركود واضح في حركة البيع وخلو المحلات من الزبائن!
الازدحام المعتاد حول محل الغبرة للعطور كان غائباً أيضاً و الحالة نفسها أمام زعتر العرجاوي الشهير مع ارتفاع كيلو الزعتر بأنواعه بحدود 18 الف ليرة للكيلو الواحد، واشتريت نصف كيلو، و لم يكن مفاجئاً لي ارتفاع سعر أوقية أي نوع من أنواع التوابل والبهارات في السوق إلى أكثر من ستة آلاف ليرة!
أخذتني خطواتي الى مدخل سوق مدحت باشا والفرجة - لا الشراء - على بسطات محلات القطايف المقلية، وتخيلوا أن سعر القطعة الواحدة من القطايف التي لايتعدى حجمها عرص أصابع الكف يتراوح بين 2500 و3000 ليرة.
وتابعت المشي وكان ابرز ماشاهدته غياب الناس أمام محلات بيع شاورما الدجاج، مع كثافة الراغبين بشراء الفلافل، مع أن سعر السنويشة يتراوح حسب عدد الأقراص فيها بين ألفي ليرة وثلاثة الاف ليرة، وتذكرت مقولة يرددها أهل الشام أيام زمان، إن دمشق هي البلد الذي لايجوع فيها فقير!
أتذكر أنني في بدايات عملي في جريدة الثورة قبل أكثر من نصف قرن خلف القصر العدلي، أنني في الأيام التي تحكمني ظروف عملي للبقاء من الظهر حتى المساء، كنت أذهب الى سوق السنجقدار لتناول صحن من المتبل اللذيذ كتصبيرة حتى عودتي للبيت في المساء، وكان سعر صحن المتبل وملحقاته أقل من ليرة واحدة!
الكارثة التي كانت تنتظرني في موقف جسر الرئيس هي غياب أي نوع من المواصلات مع تواجد كثيف للناس الذين يبحثون عن وسيلة نقل تأخدهم الى بيوتهم، مع أنني كنت أجد في أوقات سابقة عدة سيارات سرفيس تكسي تنادي على ركاب الضاحية بإجرة تزيد عن خمسة آلاف ليرة للراكب الواحد، لكن طال الانتظار وفقدت أعصابي وكدت أرمي كل ما أحمله من مشتريات على الأرض أو أصرخ بالصوت العالي و أوجه كل اللعنات والشتائم على من تسبب في وصولنا الى هذه الحالة، وأخيراً توقفت سيارة صغيرة لصديق عابر بيته قريب من بيتي ودعاني مشكوراً للركوب وايصالي إلى بيتي في الضاحية.