كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عمر حجو.. خلود الأثر

تمّام بركات- فينكس

تسع سنوات على رحيل الفنان السوري عمر حجو، الممثل الذي أغلق عينيه بعد أن فتحهما طويلا ليصنع الفرح ويقدم البهجة، خلال مسيرة فنية عريقة، تعرفت فيها أجيال من الجماهير السورية والعربية على “حجو”، الفنان الذي كان تلك النكهة المميزة والفريدة التي تعطي العمل المسرحي أو التلفزيوني الذي يقوم بتأدية أحد أدواره، نفحة أليفة تمزج بين الكوميديا بشكلها الراقي وبين الحس التراجيدي العالي الذي يتجلى وببراعة عند تأديته لمشهد تراجيدي يضطره إلى تغيير أدواته من ممثل يتوقع الجمهور منه أن يضحكه في أي لحظة كما في العديد من الأعمال المسرحية التي قدمها “حجو” في مسرح “الشوك” كغربة وضيعة تشرين وغيرها، إلى رجل بائس قادر بقسماته الخفيضة وصوته ذو الرتم الهادئ على تجييش العواطف ونزع الاعتراف ببراعة أدائه وصدقيته، من الدموع التي تتهادى في العيون الشاخصة لوجعه وهو ينتظر خبرا عن ابن غائب في غياهب الحرب، كما شاهدناه في “سنعود بعد قليل”.
الدراما السورية التي راحت في السنوات العشر الأخيرة تودع العديد من مؤسسيها الكبار وصانعي مجدها كالراحل خالد تاجا وياسين بقوش وسليم كلاس وعصام عبه جي ومحمد الشيخ نجيب والكبير ناجي جبر وآخرون، أسدلت برحيل عمر حجو الستار على واحد من العروض الطويلة والعظيمة التي وقف بنواتها هذا الفنان القادم من حواري حلب “مطارح اللعب والهوى” وخشبات مسارحها ليساهم في تأسيس الأرضية الصلبة التي وقفت عليها بثبات أجيال من الفنانين الذين تخرجوا من مدرسة حجو ورفاقه الفنية وليس الفكرية للأسف، وهنا تماما يكمن الاختلاف بين جيل الراحل “حجو” بما قدمه هذا الجيل من تضحيات كبيرة في الوقت والعمر والجهد والبذل الصادق على حساب الأسرة والصحة، وعلى حساب أي مجال آخر قد يحرف بوصلتهم الفكرية التي كان الفن الذي قدموه وعاؤها الواقعي وحاملها الأكثر أمانة في تأدية الرسالة التي تشربها جيل الراحل، باعتبارهم الفن هو من الناس وإلى الناس، الفن لحكاية همومهم ونقل مآسيهم وإيصال صوتهم، بعد أن تنازل الإعلام المكتوب عن دوره في هذا الشأن، وبين جيل نراه اليوم وهو يقدم العديد من الأعمال التي لا تحمل لا فكرا ولا مضمونا بقدر ما يقدم نماذج جاهزة من الفنان الموديل أو الفنانة الماركة.
بالتأكيد ترك غياب “عمر حجو” فراغا كبيرا على الساحة الدرامية المحلية، والتعويض ليس سهلا أبدا، خصوصا وأن الفنان اليوم هو صناعة مرحلية، لها عوامل تجارية بحتة تصنعه وتسوقه للجمهور، وهذا ما لا ينطبق لا شكلا ولا مضمونا عن صناعة الفنان التي فهمها حجو أنها في المقام الأول صناعة إبداعية، وهذا ما ظهر منه في الفن الذي قدمه، فكان وما زال وسيبقى مبدعا من الطراز الخاص، بأثر سيدوم طويلا وربما يخلد.