السردية التوراتية هي الكذبة الأكبر في التاريخ.. الملكان التوراتيان داود وسليمان هما مجرد شخصيتين خرافيتين
2022.12.03
لطفي السومي- فينكس
لقد عرف التاريخ الكذب والمبالغة طوال التاريخ، ولكن هذا الكذب وهذه المبالغة قد ظلت مجرد إضافات خيالية على حقائق موجودة، و أما في حالة داود وسليمان فقد خرجنا من نطاق الكذب والمبالغة الى عالم الاختراع ثم المبالغة بدون أية حدود. فلقد ضخم كتبة التناخ ملكيهم في مجالات الحكمة والقوة والثروة مما رفعهما الى مكانة لم تصل إليها أية شخصيات أخرى على مدى التاريخ البشري.
كان من حسن حظ هذا الاختراع الخيالي أن يصبح جزءاً من المقدس اليهودي الذي تحول إلى الدين المؤسس لغيره، بحيث هيمن أو كاد على العالم القديم بأسره.
ولقد عبّر الفيلسوف الألماني الكبير اشبنجلر عن دوافع كتبة التناخ حين قال (لم يكن الكلدانيون وغيرهم بحاجة إلى اختلاق ما يدللون به على سطوتهم... أما اليهود فلم يكن لديهم إلا تأليفهم الأدبي فتشبثوا به وحولوه الى برهان نظري على عظمتهم… ويظل ذلك التأليف كنز اليهود الوطني لكونه ظل الاستجابة التي استجابوا بها لشعورهم بصغر شأنهم) . نعم لقد كانت العظمة الأسطورية التعويض المقابل للصغار الأسطوري.
سنقدم فيما يلي العظمة الداودية السليمانية من خلال أهم جوانبها في التناخ:
1. القوة العسكرية: (فكان كل اسرائيل ألف ألف ومئة ألف رجل مستلي السيف ويهودا أربع مئة وسبعين ألف رجل مستلي السيف - أخبار الأيام الاول ٢١: ٥) ومن أجل المقارنة نقول انه في مقابل مليون وخمسمائة وسبعين ألف رجل مستلي سيف في اسرائيل ويهودا في القرن العاشر ق م كان جيش الاسكندر المقدوني في القرن الرابع ق م يتكون من ٢٥ ألف مقاتل، و كان جيش نابليون في معركة واترلو عام ١٨٢٥ م يتكون من ٧٣ ألف مقاتل ، وكان جيش الحلفاء الذي نزل في النورماندي عام ١٩٤٤ مكون من ١٦٠ ألف مقاتل. بينما وجد فنكلشتاين في مسح أجراه لسكان اسرائيل ويهودا في القرن العاشر ق م أنه يساوي ٤٥ ألف نسمة فقط.
2. الثروة الخيالية: لا يتسع المجال لذكر الثروة الخيالية من الذهب والعاج والحجارة الكريمة والذي شمل حتى الابنية والاثاث و أدوات الطعام و الأسلحة. إذ كان الذهب يأتيهم من أتباعهم (و كان سليمان متسلطا على جميع الممالك من النهر(الفرات) الى أرض فلسطين إلى تخوم مصر - الملوك الاول ٤ : ٢١).
3. الأعمال العمرانية: لا زال بهاء وعظمة هيكل سليمان يغشي الأبصار ويثير الخيال وسنبدأ بابعاده المذكورة في التناخ (و البيت الذي بناه سليمان للرب طوله ٦٠ ذراعا وعرضه ٢٠ ذراعا) وبتحويل الذراع الى متر يصبح ٢، ٢١ ضرب ٤، ١٠ = ٢٨ ، ٣٢٤ متر مربع، أي بحجم شقة عادية، ولكن ما هو غير عادي هو أن ١٨٣٣٠٠ عامل قد أنجزوه خلال ٧ سنوات. وقس على ذلك حجم الكذب والخرافة.
و لقد نسب لسليمان أبنية كثيرة أهم من الهيكل بما في ذلك مدينة تدمر في البرية.
ظلت عظمة داود وسليمان تهيمن على العقل البشري في العالم القديم لدرجة أن لقب داود الجديد قد أصبح لقب تعظيم لدى ملوك أوروبا من شارلمان الى ملوك التوتونيين الالمان، حتى وصل الى عرش بريطانيا الحالي، آل وندسور. لو أتيح لي الحديث عن كل جوانب عظمتهم فان بلاطات كل من رومانوف وهابسبورغ وبوربون ووندسور ستتراجع امام عظمتهم. كم سيكون ما كشف عنه علم الآثار صادماً لكل هذه الخيالات المريضة فيما نقدم من استشهادات بعد أن تبين أن مملكة اسرائيل القديمة لم يكن لها أية علاقة بيهوه وديانته بل كانت مملكة كنعانية من الناحيتين الاثنية والدينية، و أن اسمها اسرا- إيل يعني عهد ايل باللغة الارامية، كما انه لم يقم لاتباع يهوه اي كيان سياسي قبل الثورة الحشمونية ١٤٠ - ٦٣ ق م، وكل ما ذكر عن تسميتي اسرائيل ويهودا مجرد افتراء وخاصة سبب تسميتهما. وسنعرض فيما يلي بعض الاستشهادات الأثرية وبعضها لاسرائيليين: ١) يقول عالم الاثار الاسرائيلي زائيف هيرتزوغ (تصبح الصورة أكثر تعقيداً على ضوء الحفريات في أورشليم والمفروض إنها عاصمة المملكة الموحدة، إذ لم توجد أية بقايا لأبنية، فقط القليل من قطع الفخار من مراحل سابقة أو لاحقة. وبذلك فان مملكة داود وسليمان العظيمة الموحدة هي عبارة عن مغالطة تاريخية متخيلة). ٢) ويقول أهم علماء الاثار الاسرائيليين وهو اسرائيل فنكلشتاين (و نحن لا زلنا لا نمتلك أي دليل آثري على أن أورشليم كانت أكثر من قرية مرتفعات بسيطة أثناء عهد داود وسليمان). ٣) ويقول توماس طومسون (و من الواضح أن خرافات داود وسليمان لا تلقى دعما تاريخياً). نكتفي بهذه الاستشهادات للاختصار من بين الكثير غيرها. نخلص إلى القول أنه لم يتجمد شخصية حقيقية أو خيالية كما تمجد هذين الملكين الخرافيين من خلال السردية الدينية، حتى أنهما قد دخلا بقوة مجال فن الرسم والنحت والادب من خلال أعمال مايكل انجلو الذي يتجلى تمثال داود الذي نحته في فلورنسا، كما امتد هذا المجد من دونا تلو حتى لورنس وفولكنر، بل ولقد زينت شجرة نسب السيد المسيح التي تمتد حتى داود الكثير من كاثدرائيات العصور الوسطى في اوروبا، بل وامتدت شهرة داود ومجده حتى الحشرات والطيور والجن والأنس. بعد كل هذا العرض نقف بحسرة أمام الواقع المستلب للكثير من العقول راجين أن ينتفض العقل على كل هذا الكم الخرافي من الأباطيل ويتحرر من قيوده المزمنة.