كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مقتضيات الكرامة السورية

يكتب افتتاحية فينكس, هذا الأسبوع, الأستاذ يحيى زيدو.

بعيداً عن الاستياء الشعبي، الذي أؤيده، بسبب افتتاح سفارة الإمارات مجدداً في دمشق، فإن افتتاح سفارات أخرى لدول عربية سيستمر، و ربما ستكون جميع السفارات العربية قد عادت إلى دمشق مع اقتراب موعد انعقاد القمة العربية في تونس خلال شهر آذار /مارس 2019. و قد تقوم بعض الدول الغربية بفتح سفاراتها أيضاً خلال الأسابيع القادمة.
من المنطقي الاستنتاج أن افتتاح سفارة الإمارات مجدداً في دمشق لم يكن ليتم إلا بتنسيق سعودي-أمريكي - بريطاني. و من المنطقي أيضاً الاستنتاج أن أي تنسيق من هذا النوع سيكون في خدمة الكيان الصهيوني، و التجربة التاريخية خير دليل على ذلك.
من هنا فإننا نقرأ إعادة فتح سفارات دول الخليج في دمشق باعتباره مقدمة لخطوة مقابلة تتمثل في فتح سفارات لهذه الدول في تل أبيب، في سياق تظهير العلاقة بين حكام الخليج و الكيان الصهيوني، و الانتقال بها من المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم (و على عينك يا تاجر).
إن مثل هذا الأمر، المتوقع حدوثه قريباً، يعني أن ما سمي (صفقة القرن) لتصفية القضية الفلسطينية قد وضعت على نار حامية، و أن السعودية هي أكثر الأطراف الراغبة في الإسراع بتنفيذ الصفقة بسبب الوضع الذي وجد نفسه فيه (محمد بن سلمان) إثر نشر الصحفي جمال الخاشقجي، و تقطيعه.
بعيداً عن (صفقة القرن)، و مخرجات لقاء سوتشي، و اللجنة الأممية لكتابة الدستور السوري، التي يمثل أعضاؤها مصالح الأطراف المتدخلة في الشأن السوري أكثر مما يمثلون السوريين أصحاب المصلحة في دستور جديد. و بعيداً عن محاولات أسلمة المجتمع، و حالات الفساد التي تتزايد في ظل عدم وجود أية محاولات جدية لضبطها، أو محاسبة الأطراف المشاركين فيها..
بعيداً عن كل هذا، فإن مشهد افتتاح سفارة خليجية في دمشق يعيد إلى الأذهان صور آلاف الشهداء، و عشرات آلاف اليتامى و الأرامل و الثكالى، و مشاهد التخريب و التدمير و القتل على امتداد الوطن السوري، و التي تمت كلها بأموال الخليج و نفطه.
كما يعيد مشاهد إذلال السوريين على الحدود اللبنانية و الأردنية، و في مخيمات اللجوء، حيث انتهكت الكرامة و الأعراض. و لا يختلف الأمر في كثير من الدول في كيفية تعاملهم مع المهاجرين و اللاجئين السوريين.
لقد تمت إهانة و إذلال المواطنين السوريين، و الوطن السوري على مدى ثماني سنوات.
وصار من الواجب على الحكومة أن تتصرف وفق مقتضيات الكرامة السورية، التي تعني - في الحد الأدنى- المعاملة بالمثل.
و هذا يعني:
1- رفض حضور سورية القمة العربية القادمة على أي مستوى. فهذه الجامعة المزبلة كانت جزءاً من الحرب على السوريين شعباً و أرضاً و دولة. و قد يظهر بعض الزجالين (أو الدجالين) السياسيين و هم يردحون على الشاشات بالقول: إن الجامعة هي التي عادت إلينا و ليس نحن من عاد إليها. فالحظيرة هي الحظيرة سواء ذهبت إليها أم أتت إليك.
٢- ضرورة استصدار تشريع قانوني بالمعاملة بالمثل، يتضمن:
أ- منع مواطني دول الخليج من دخول سورية إلا وفق إجراءات تتضمن الحصول على فيزا، و حجز في فندق، و ضرورة إنفاق مبلغ عن كل شخص يساوي تكاليف الحج للمواطن السوري الذي حرمته سلطات آل سعود من الحج طوال السنوات الماضية، و هذا كله يجب أن يكون بوجود كفيل سوري لكل مواطن خليجي بمقابل مادي تحدده الدولة، و يدفع الكفيل ضريبة عن ذلك لصالح إعادة الإعمار، عائلات الشهداء، و الجرحى.
ب- منع مواطني الأردن و لبنان من دخول القطر إلا للضرورة، و معاملتهم على الحدود كما عاملوا السوريين خلال السنوات الماضية، و التشديد على أن تكون زيارتهم بعمل محدد مع كفالة مدفوعة الأجر من شخص سوري.
ج- منع الأتراك من دخول القطر طالما بقي لواء اسكندرون تحت الاحتلال التركي، و العمل على أن تكون العلاقات التركية، في أحسن حالاتها، كما كانت في العام 1990 و ما قبل.
د- ضرورة المبادرة برفع دعاوى قضائية أمام القضاء المحلي و الدولي ضد الدول و الحكومات و الأفراد، و ملاحقتهم قانوناً لدفع تعويضات بمئات المليارات يتم رصدها لإعادة الإعمار بدلاً من العقود التي يمكن أن تحصل عليها شركات خليجية أو تركية أو غربية.
ما سبق هو الحد الأدنى من مقتضيات الكرامة الوطنية السورية، و لا بد من القيام بحملة شعبية تضغط على الحكومة و مجلس الشعب للاستجابة لهذه المطالب.
و نرجو ألا يطالبنا أحد بمقولة المسامح كريم..
قد نتسامح مع بعض كسوريين و هذا مطلب وطني.
لكن مع أصحاب دشداشات العهر و القتل الخليجية لا نريد أن نسامح.. و لن ننسى
و سنبقى أعزة كرماء رغم كل الدمار و الخراب في النفوس و الأملاك و النصوص