كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"مجمّع الشهادة والشرف".. هل يفعلها رجال أعمال وتجّار سوريا؟

لا تخلو مدينة ولا بلدة ولا قرية أو حارة في سوريّة من شهداء للجيش العربي السوري والقوات الرديفة له (كالدفاع الوطني), بحيث باتت تتنافس جلّ المناطق السوريّة على لقب "عاصمة الشهداء" أو "مدينة الشهداء".. الخ.

وإذا ما كنت تُعرف وتعرّف, فيما مضى, بعض المناطق والبلدات السورية بمشاهيرها من كتّاب وفنانين ومبدعين كقولنا "رقّة العجيلي" إبّان تعريفنا لمدينة الرقة, و"سلمية الماغوط" نسبة لمحمد الماغوط, والأمر نفسه بوطن فيلسوف المعرة, وعاصمة الحمدانيين, وهلم جرا؛ أو من خلال القول "إن هذه المدينة هي مدينة الألف شاعر أو بلدة الألف طبيب", فقد صارت تُقرن مُدننا وبلداتنا بأسماء الشهداء وما سطروه من أعمال بطولية؛ ولسنا هنا في صدد ذكر مآثر الشهداء, لأنّهم في وجداننا كلّهم سواسية في النبل والتضحية والفداء.

وليس من قبيل المبالغة القول إن سوريّا أكثر وطن قدّم شهداء (بعد الجزائر, بلد المليون ونصف المليون شهيد) لأجل حريته وسيادة قراره الوطني واستقلاله عن أي تبعية أو ذيلية كما هي حال الذيليّة والتبعية في مشيخات ومضارب الخليج الوهابي الفارسي..

حريّ بوطن صار فيه كل شهيد شجرة ياسمين, أن يبادر رجال أعماله وكبار تجّاره, في كل محافظة على حدا, للقيام بمآثر وطنيّة تخلدّهم وتذكرهم بها الأجيال, فيقيموا, من مالهم الخاص, مجامع أو مدناً سكنية لأسر وعوائل الشهداء ومُقعدي الحرب.. مجامع ومدن مجهّزة بكافة الاحتياجات الطبية والتعليمية والثقافية والترفيهية.. الخ.

فلا نكون هتكنا سرّاً, إن بحنا: "معظم من نعني من أباطرة المال, جنوا أموالهم –في سنوات الرخاء السوري- على حساب الشعب السوري", والشهداء ومقعدو الحرب, وحدهم من يختزلون ضمير الشعب السوري الحي والعظيم, وواجب من نعني أن يردوا بعض الدين لهذا الشعب من خلال إقدامهم على عمل تاريخي واستثنائي.

نعم, ثمة مبادرات فردية يقوم بها بعض الخيّرين من أبناء سوريا, يقدّمون من خلالها خدمات, تتفاوت في جلالها وعظمتها, لعوائل الشهداء وجرحى الحرب؛ وهي مبادرات إمّا يقوم بها رجال أعمال خصّهم الباري بميزة الكرم والسخاء, وإمّا جمعيّات المجتمع الأهلي والمدني, ولن يفوتنا هنا أن ننوه إلى الموقف الوطني النبيل والعطاء الذي يبذله أبناء سوريا في المغتربات للغاية ذاتها؛ لكن, تلك المبادرات لم ترق إلى مستوى الظاهرة, ولم تتضافر كي تصبح عملاً جماعياً, وقد يكون من الاستحالة بمكان جمع معظمها كي تشكّل ظاهرة, ولعله من الأفضّل أن تبقى كما هي على أن نشجعها في الاستمرار وفي تطوير آليات عملها بحيث تصبح أكثر فعاليّة.. لكن ماذا عن رجال الأعمال وأباطرة المال الذين لولا وطنهم لما جمعوا هذه الثروات و لانعموا بها..؟ ترى, ألم يحن الوقت كي يردّ من نعني بعض الدين لوطنهم وأبنائه؟!

طالما كانت الدولة السوريّة تقدّم التسهيلات لمن يريدون بناء مساجد وجوامع (مع معرفتنا بأن بعضهم –إن لم يكن معظمهم- يبنيها رياء ونفاقاً) كإعفائهم من الرسوم والضرائب, وإن كنّا لا نعلم ما الذي يتمّ تهريبه واستيراده من قبل من نعني (من بناة الجوامع والمساجد) من سلع ومواد (مُعفاة من الضرائب والرسوم) بغرض التجارة تحت اسم بناء مسجد!

ونعلم, أن أباطرة المال, هم الفئة (إن لم تكن الوحيدة) الأكثر استفادة من ارتفاع الدولار وفرق صرف العملة, ويمكنهم فقط من خلال ما يجنونه من فرق العملة أن يقوموا بإشادة تلك المجامع والمدن الخاصّة بالشهداء وضحايا الحرب تحت اسم "مجمّع الشهادة والشرف"؛ و في حال أقدموا على ذلك –كما نأمل, ويأمل الملايين من السوريين- لتعفهم الدولة من الرسوم والضرائب المتعلّقة بهكذا مشروع, ولتقدّم لهم كلّ التسهيلات الممكنة لإنجازه.

لم تقصّر الدولة السوريّة ذات يوم مع أسر الشهداء أو مقعدي الحروب الوطنية, إذ ضمنت لهم الحياة الكريمة, وكان لأبناء الشهداء مزايا خاصّة يستحقونها, وبالرغم من أنّ الدولة منهكة الآن في مواجهة حرب كونيّة غير مسبوقة في التاريخ, إلّا أنّها ماتزال ترعى أسر الشهداء ما أمكنها.. ومن واجبنا –كمواطنين سوريين- مساعدتها –كلّ من الجانب الذي يشغله- في مساعيها تلك, فكلّ شهيد ارتقى في سبيل الوطن هو ابن لنا, وكلّ جريح ومقعد حرب هو أخ لنا.. ضحوا بأغلى ما لديهم نيابة عنّا وكرمى لنا..

حبذا أن تقترح غرفتا التجارة والصناعة في سوريا المبادرة التي بدأنا بها افتتاحيتنا, وأن يتم تبنيها من قبلهما, فلعلنا –عمّا قريب- نشهد في كلّ محافظة سوريّة مجمعاً سكنيّاً خاص بالشهداء ومقعدي الحرب, يكون مأثرة وطنيّة على المستويات كافة, شريطة أن لا يتمّ استغلال هذا العمل النبيل -من قبل بعض الشريهين- بغيّة تراكم ثروات القائمين عليه على حساب دماء الشهداء.

فينكس