كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

في ذكرى حرب العزّة و الكرامة

نعيش اليوم ذكرى حرب تشرين التي قام بها الجيشان العربيان السوري و المصري ضد العدو الاسرائيلي عام 1973. نترحم على شهدائنا العظام فيها، كما نثني و ننحني اجلالاً أمام بطولات و تضحيات جيشينا العربيين السوري والمصري.

كُتب الكثير عن هذه الحرب و نتائجها الايجابية على العرب عموماً و سوريا و مصر خصوصاً، من قبيل إعادتها لثقة الجندي العربي بنفسه و بسلاحه، و كسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر (جيش العدو)، و إعادة الاعتبار للكرامة العربية التي طالما هُدرت على مسرح الغطرسة و العربدة الصهيونيتين... الخ. و كل ما ذكر و غيره الكثير من الايجابيات صحيح.

بيد أنه يمكن أن نقرأ الحرب، و نحن في الذكرى الجليلة لانتصارنا فيها من جانب آخر.. جانب يكشف أنه ليس للولايات المتحدة أصدقاء بما في ذلك الكيان الاسرائيلي، الذي كنا نعتقد واهمين أنّه يسيّر الادارة الامريكية وفق مشيئته و ليس العكس.

يذكر محمد حسنين هيكل في كتابه القيّم "زيارة جديدة للتاريخ" بأن الولايات المتحدة كانت على علم بحرب تشرين، و كانت تريدها لاعتبارات تخصّ نزوعها الرأسمالي التوحشي، إذ أرادت منها حظر النفط عن أوربا بُعيد قطعه من قبل السعودية، و بالآتي رفع سعره عقب مشروع مارشال الذي تعهدت أمريكا بموجبه بإعادة بناء أوربا على خلفية دمارها في الحرب العالمية الثانية، و هي بهذا تريد الضغط على "حليفتها" أوربا كي لا تتطور أكثر من حد معين فلا تواكبها فيما حققته من انجازات عسكرية و علمية و اقتصادية.. الخ. و حقيقة نجحت واشنطن في حيلتها تلك، بيد أن المغزى يكمن في عدم اكتراثها بمصير "ربيبتها" اسرائيل جرّاء الحرب التي أخفتها عنها. ما يؤكّد أن الكيان الاسرائيلي مجرد بيدق و مشروع استيطاني متقدّم له وظائف محددة لدى الولايات المتحدة الامريكية، و مصير مستوطنيه لا يهم الادارة الامريكية و الدولة العميقة فيها بشيء، إلّا بالقدر الذي يحقق فيه مصالحها الاستعمارية.

صحيح أن الولايات المتحدة الامريكية ساندت العدو الاسرائيلي، في الايام التالية للحرب، بجسر جوي ينطوي على السلاح و الطيران، ليس حباً بها، إنما اهتماماً و شغفاً بالوظيفة التي يقوم بها العدو الاسرائيلي للامريكان. و هي ساندتها بعد أن ضمنت أنّها حققت أهدافها بما يخصّ مشروع مارشال.

ما سبق ذكره، يقطع الشكّ باليقين أن لا أصدقاء للرأسمالية الأمريكية المتوحشة، كما يؤكّد أن هذه الغدة السرطانية المسماة اسرائيل هي مجرد أداة لها وظائف مطلوبة للرأسمابية الأمريكية. و اللافت للانتباه أن غولدا مائير، رئيسة وزراء الكيان سنتذاك، لم تصدق الملك حسين (في وشايته المعروفة حول اخبارها بالحرب) لإيمانها أنّه لا يمكن أن تقع الحرب و بعلم الأمريكان دون أن يخبروها!

بدهي، أنّه كان من نتائج التدخّل الأمريكي أن غيّر المعادلات المنوطة بالحرب، و سبق ذلك التدخّل الخيانة المعروفة للرئيس المصري الأسبق أنور السادات لحليفته سوريا من اليوم الثالث للحرب و خيانته عملياً بدأت قبل الحرب من خلال اعتماده الضمني على الخطة غرانيت2 عوضاً على الخطة غرانيت1 كما كان قد اتفق مع السوريين، بمعنى أن الرئيس حافظ الأسد أرادها حرب تحرير، فيما تصرف السادات بوصفها حرب تحريك، ما أثّر سلباً على المأمول منها. لكن بالرغم من ذلك، تظل حرب تشرين علامة فارقة مضيئة و مشرقة في تاريخ العرب الحديث عموماً و التاريخ السوري خصوصاً، و كما انتصرت الإرادة السوريّة فيها بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد، ستنتصر الإرادة السورية مجدداً في الانتصار على الارهاب و الارهابيين (وكلاء العدو الاسرائيلي و الأمريكان) بقيادة الرئيس بشار الأسد و عزيمة مصنع الأبطال الجيش العربي السوري.

رئيس التحرير