كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

كنتم خير أمة أخرجت للناس

بشّار عباس

كثيرون يفسرون الآيات القرآنية بشكل سطحي لإثبات وجهة نظر معينة، ثم يغدو هذا التفسير هو السائد، فلماذا وردت الآية المذكورة أعلاه بصيغة الماضي:كنتم، ولم ترد بصيغة المضارع؟ وقد خطر لي وأنا أقرأ هذه الآية أنه ربما كان القصد هو غير المعنى المتداول المعروف.
ولكي نفهم الموضوع لا بد من متابعة قراءة الآيات التي تلت تلك الآية:
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)
أي ربما كان المقصود اليهود الذين (كانوا) خير أمة ثم استبدلهم الله، وبالفعل عندما عدت إلى كتب التراث وجدت الفقرة التالية:
في تفسير أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخي (المتوفى: 150هـ) وهو من أوائل المفسرين للقران نعرف المقصود بالضبط بخير امة:
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يعني خير الناس للناس وذلك أن مَالِك بن الضيف، ووهب بن يهوذا، قَالا لعبد اللَّه بن مَسْعُود، ومعاذ بن جبل، وسالم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفة: إن ديننا خير مما تدعونا إِلَيْهِ فأنزل اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- فيهم كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ فِي زمانكم كَمَا فضل بني إِسْرَائِيل فِي زمانهم تَأْمُرُونَ الناس بِالْمَعْرُوفِ يعني بالإيمان وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بتوحيد الله وتنهوهم عن الظلم وأنتم خير الناس للناس وغيركم من أَهْل الأديان لا يأمرون أنفسهم وَلا غَيْرهم بالمعروف وَلا ينهونهم عن المنكر).
وهذا ما أشار اليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فمن تفسير الطبري (قال عمر بن الخطاب: لو شاء الله لقال: “أنتم"، فكنا كلنا، ولكن قال: “كنتم").
المشكلة أن اقتطاع الآية وعزلها حولها من معنى الذم إلى معنى المدح بل والتمجيد.