كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حتى الكر يؤمن بوجود الله

علي سليمان يونس:

في عام 1968 م كان قد مضى على انتسابي لحزب البعث مدة عام بصفة مؤيد.. كان التسلسل الحزبي حينها يبدأ بـ(مؤيد- نصير أولي – نصير متوسط – نصير قيادي – عضو متدرب – عضو عامل، ولا يصبح عضواً عاملاً إلا بعد خضوعه لدورة عمل فدائي)... كان مقر الحلقة الحزبية في قرية مجاورة لقريتنا، وجاء دوري بالمقابلة في مقر الفرقة الحزبية في بيت ياشوط، كي أُرفع إلى مرتبة نصير أولي.. ذهبت برفقة أحد المحبين عبر طرقات جبلية وعرة، إلى مقر الفرقة. وطوال الطريق وهو يوصيني:
(الله يرضى عليك، دير بالك.. أنا بعرف إنك حافظ النظام الداخلي والدستور غيبا، بس بترجاك شو ما حكيوا باللجنة لا ترد عليهم.. بعرفك منيح.. ما فيك تسكت عا الزايحة...).
قلت له: ليش هنن بيسألوا أسئلة من خارج النظام الداخلي والدستور والمنطلقات النظرية؟
قال لي: بيجوز واحد منهم يكون معلاقو كبير، يسألك أسئلة بعيدة عن الشغلات المقررة، لا سيما انك من قرية مشايخ..!؟ قلت له: إن شاء الله بيحصل خير.
بعد مسير ساعتين عبر جبال ووديان وطرق وعرة، أنهكنا التعب خلالها، وصلنا في الموعد المحدد، وكان العشرات من الرفاق يتجمعون أمام مقر الفرقة، ونادوا على اسمي للدخول، دخلتُ، ورددت الشعار الحزبي.. وقدمت اسمي للجنة، وكانت مكونة من ثلاثة أشخاص.. قرأ أحدهم لثوانٍ في أوراق أمامه، ثم نظر إلي باستعلاء، وقال لي: هل تؤمن بوجود الله؟
(لحظتها، نسيت ما أوصاني به رفيقي، وكفرت بهيك لجنة وبهيك حزبيين- طبعا للتذكير فقط، لم اكن قد أتممت السادسة عشرة من عمري)..
فأجبته فوراً بدون تردد: حتى الكر يؤمن بوجود الله...
فصرخ بصوت عالٍ سمعه من كان خارج الغرفة قائلاً:
(طلع لبرى، مقابلتك انتهت، بعمرك ما بتصير نصير، وأنا في هذا الحزب...).
رددتُ الشعار الحزبي وخرجت، وفورا وقبل أن أشرح لرفيقي ما جرى معي فاجأني بالقول:
ما كنت تسمع مني.. هيك بدك؟.. سكتُ ولم أتكلم..
بعد ستة أشهر كان موعد المقابلة الثانية، ذهبت ورفيقي وشارطني (أن لا أرد على اللجنة شو ما حكوا).. و قبلتُ الشرط.. وصلنا إلى مقر الفرقة، ولما جاء دوري بالدخول.. وما إن وضعت قدمي على مدخل باب الغرفة.. وقبل أن أخطو خطوة للداخل، رآني (تبع الكر) فأمرني بعدم الدخول.....
مرت الأيام ومثل ما بيقول المثل (جبل لجبل ما بيلتقوا وبني آدم لبني آدم بيلتقوا)، وصدف أن كنت في قرية بستان الباشا أعزي أحد الزملاء بوفاة والده، وكنت قد أصبحت برتبة عقيد، وإذ بشخص عجوز يجلس مقابلي وجهاً لوجه نظرت إليه مليا فاذا هو (بتوع الكر)... ولكي أقطع الشك باليقين سألت ابن المتوفى من هذا؟ قال لي هذا (فلان) كان شغلة كبيرة بالحزب قبل الحركة التصحيحية، وحالياً متل مانك شايف ختيار وقاعد ببيته.
وقّتُ مغادرتي مع خروجه، وصلت لجانبه وسألته: هل تؤمن بوجود الله؟
قال: من أنت؟ قلت له: يبدو أنك كبرت في العمر، وأنا سألتُك سؤالاً، وسأجيب عليه، وقلت له: يا أبو ماركس.. حتى الكر يؤمن بوجود الله. وتركته ومشيت، فصاح بي هل أنت مجنون؟ ألتفتُ إليه وأجبته:
المجنون هو الذي لا يؤمن بوجود الله.. وتركته ومضيت.
عشتم وعاش البعث...