كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الهجرة الخارجية (في بلاد المغترب).. لمحة

فتحت دول أمريكا اللاتينية أراضيها في بدايات القرن العشرين، وأعلنت موافقتها على استقبال مهاجرين جدد من بلاد الشام، وكانت التسهيلات كثيرة جداً، ولا شرط سوى خلو المهاجر من العاهات، امتلاكه القوة العضلية (قدرته على العمل)، وحسب رواية السيد خليل محمود خضور – قرية الكاملية (تقع بين وادي العيون ومصياف- ملاحظة من فينكس)، يحضر من يود السفر إلى مرفأ طرابلس – لبنان، يقابل اللجنة وبعد موافقتها يصعد الباخرة التي ترسو في الميناء وينتظر إبحارها. (هذه التسهيلات ربما كانت خطة استعمارية لإفراغ المنطقة من أبنائها).

بسبب الظروف الصعبة والواقع المرير هاجر كثيرٌ من أبناء ريفنا إلى دول أمريكا اللاتينية، ظلماً، عنوةً، قسوةً، ضيقاً، خوفاً، رعباً، وحاجةً، إلى دول أطلقوا عليها دول المهجر الّتي التجئوا وهجروا بلادهم إليها نتيجة الفقر والاضطهاد الذي مارسه المحتلون عليهم وعلى أسرهم. كانوا يعانون فلم يستطيعوا تحمل قسوة الظروف، وقلة الفلوس، وظلم النفوس وجبروتها، وكان الحظ الذي ربّما ابتسم هذه المرة فقط لمن وصل بسلام إلى تلك البلاد البعيدة، الأرجنتين، والبرازيل، وفنزويلا... وغيرها، تاركين أهلهم زوجاتهم أطفالهم الّذين كحلوا أعينهم بنظرتهم الأولى، وكانت الأخيرة لأطفال وهم يدحبون (يَحْبون) في سيباط البيت، صبية صغار جياع نصف عراة كانوا يملؤون البيت صخبا وضجيجاً، حفزته سوء حالتهم الّتي أمل في تحسينها وفي تغييرها، فسافر ونسيهم ونسي حالتهم مجبراً، مكرهاً، مضطراً، أو مختاراً، أو موتاً لحق به على طريق السفر أراحه من هموم أثقلت كاهله، وشغلت باله، وأتعبت وجدانه، ونغّصت عليه عيشته، أماتته عشرين مرة ومره في ساعات يوم تثاقلت ثوانيه، فكيف دقائقه وكأنها عام وأعوام طوال، وبعض من وصل منهم إلى بلد المهجر واستطاع متابعة حياته حاول التواصل مع أهله، مع أولاده، مع زوجة تركها للقدر وهي منتظرة متأملة سراباً يملأ دنياها، بزوج قادم يحملها وأولادها على بساط الريح طائراً بهم من مرير واقعهم إلى جنان ليس لها وجود إلا في مخيلتها، هذا الحلم الذي ربّما انتهى معها في لحدها، وكثير منهم انقطعت أخباره دون أيّ علم.

من كتاب حكاية ريفنا للباحث محمد أحمد اسماعيل