كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من متاعب المهنة.. وتابعه قفّة

معن حيدر:

في أواخر عام 1988 كُلّفتُ بمهام مدير التشغيل الإذاعي، بعد أن شغلتُ قبل ذلك منصب مدير التشغيل التلفزيوني لمدة عامين.
مديرية التشغيل هي المديرية التقنيّة المعنيّة بتشغيل وصيانة الاستديوهات وتجهيزاتها.
كان أغلب الزملاء في مديرية التشغيل الإذاعي آنذاك من الفنّيين من الرعيل الأول والثاني الذي واكب إذاعة دمشق منذ تأسيسها، وكان هناك عدد قليل من المهندسين حديثي التخرّج.
قمتُ بالتعاون مع الزملاء جميعهم بوضع خطّة لمواكبة التطوّرات الحاصلة عالمياً في التجهيزات الإذاعية، واعتماد آليات عمل جديدة في مجال الصيانة وتشغيل الاستديوهات والنقل الإذاعي الخارجي، وإيلاء التدريب أهمية قصوى
قمتُ أيضاً بطلب الموافقة على ترميم الاستديوهات التي كانت بحالة سيئة جداً
وافقتْ الإدارة على ذلك، وأحالتْ الطلب إلى المديرية المختصّة، وهي مديرية المشروعات، لتتولى الموضوع.
وانتهى دوري هنا، عدا أنّي كنت أوقّع مع أشخاص آخرين ومنهم مدير المشروعات، على طلبات الشراء وتسليم المواد للمستودع وإخراجها
وذلك بحكم موقعي كمدير للمديرية التي يتمّ العمل لصالحها.
وبعد ذلك بفترة قصيرة حصلتُ على إجازة بلا أجر، والتحقتُ بعمل في مكتب خاص عند رجل أعمال فاضل اسماً ومضموناً.
وأثناء عملي هناك، أُبلِغتُ من قبل وزير الإعلام آنذاك أن أكون مستعداً في كل لحظة للسفر في مهمة خاصّة إلى السعودية للمشاركة والإشراف على تشغيل استديو الطوارئ للتلفزيون السعودي الذي يتم تجهيزه احتياطاً لتداعيات حرب الخليج الثانية/ تحرير الكويت، وأنّ السفير السعودي في دمشق سيبلغني بالتفاصيل وطريقة السفر. ولهذا حديث آخر.
بعد ذلك لم تمضِ فترة طويلة حتّى طُلب منّي قطع الإجازة بلا أجر، وتمّ تكليفي مديرا للتشغيل التلفزيوني.
وفي أحد الأيام بعد أن باشرتُ العمل من جديد في مديرية التشغيل التلفزيوني اتصل مكتب المدير العام ليبلغني أنّ مفتشاً من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش سيمرّ إلى مكتبي في مهمّة رسميّة.
ذكر المفتش أنّه مكلف بالتفتيش في موضوع صيانة استديوهات الإذاعة وأنّه على وشك الانتهاء، و كإجراء روتيني عليه أنْ يضيف للإضباررة استجوابي قبل رفعها.
علمتُ فيما بعد أنّه ما إنْ (درت ضهري وغادرت الإذاعة) حتى قام أحدهم برفع تقرير يُثبتُ فيه حرصه على الوطن والمصلحة العامة وأنّ (مدير التشغيل الإذاعي السابق قد ادّعى شراء عشرات الثريّات لتركيبها في استديوهات الإذاعة) وأرفق في تقريره طلبات شراء مصوّرة فوتوكوبي.
تبيّن للمفتش فوراً التزوير في صور الفوتوكوبي عندما قارنها بالأصليّة، وقد حُذف منها أثناء التصوير كلمة (نيون) وأسماء باقي التواقيع.
فالثريّات المذكورة ما هي إلا ثريّات نيون، وهو الاسم المتعارف عليه في سوق الكهرباء للنيونات التي تركّب في الدوائر الحكومية والمنشآت.
كاتب التقرير كنتُ أطلق عليه بيني وبين نفسي لقب (قفّة) استعارة من اسم مسرحية (علي جناح التبريزي وتابعه قفّة) للكاتب المصري المشهور ألفريد فرج
حيث يبدو أنّ معلمه رحمه الله كان تضرر من آليات العمل الجديدة.