كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

في مسألة إيناس مطر

شعبان عبود

باديء ذي بدء، لا يمكن التشكيك في ما روته الناشطة إيناس مطر فيما يخص مشاهداتها في السويداء، وبذات الوقت الذي لا يمكن التعامل مع صاحبة المشاهدات كشاهدة وحيدة، ومحيطة ومطلعة على كل ما جرى في السويداء من أحداث عنف وانتهاكات في المحافظة.
من ناحية ثانية، لم يُسجل أبداً من قبل، أن "إيناس" تفتقد المصداقية والموقف الأخلاقي المتضامن مع من تعرضوا للعنف بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والمذهبية، كل سيرتها الذاتية تؤكد أنها شخص يتمتع بالمصداقية.
ومثلما يعني ذلك أن روايتها لا يجب الطعن بها، لكن بنفس الوقت، يجب الحذر والانتباه إلى أن روايتها ليست رواية "مقدسة" أو نهائية، أو مكتملة.
كونها أخت الشهيد غياث مطر ، وابنة عائلة قدمت ثلاثة أخوة خلال سنوات الثورة ضد النظام السابق، فهذا لا يجب أن يمنح شهادتها، ولا يمنحها كشخص "وضعا" وميزة عن أي شهادة أخرى لأشخاص آخرين.
"شهادة" إيناس مطر عما جرى في السويداء، لا يمكن وصفها أو تسميتها بالشهادة، بل الأدق هو وصفها بالمشاهدات الخاصة، وهي تبقى مشاهدات وليس شهادة كونها تفتقر إلى سرد السياق السياسي والأمني العام الذي سبق الأحداث، أو شكّلَ مقدمة لاندلاع أحداث العنف ووقوع انتهاكات ومجازر بحق أبرياء، سواء من المواطنين الدروز أو ابناء العشائر.
كذلك هي ليست شهادة وإنما مشاهدات تتعلق وتتحدث عن حيز جغرافي ضيق كانت متواجدة فيه بحكم السكن والعيش ضمن ذلك الحيّز الضيق، وبالتالي هي لا تغطي كل المناطق والرقع الجغرافية التي شهدت أحداث العنف تلك. بمعنى هي مشاهدات ناقصة، لا تكتمل إلا بمشاهدات وبشهادات أخرى، لأشخاص كانوا متواجدين في مناطق أخرى، ومن كل الاتجاهات والمكونات، ماذا عمّا حصل من انتهاكات ضد العشائر؟
رغم ذلك، لا بد من القول إنه ورغم أن ما قالته وتحدثت عنه إيناس مطر كان مهماً، لكن بذات الوقت ما كان يجب أن تظهر "شهادتها" بهذه الطريقة، كان يجب أن تُقدّم إلى لجنة التحقيق الأممية المختصة في التحقيق في أحداث السويداء، وليس في إطار "حديث ودردشة" على الهاتف مع صديق، وفي إطار حالة الاستقطاب الداخلي بين السوريين، بين مؤيدين للسلطة ومعارضين لها. الشهادة هنا بدتْ كانتصار شخصي لشخص ما ضد شخص آخر لكل منهما رواية ورؤية مختلفة عن الآخر، ولم تبدو أن الغاية منها توثيق ما حدث. هنا نحن نتحدث عن "استخدام" إيناس مطر في إطار حالة الاستقطاب السورية.
في النهاية، لا يمكن إنكار ما حصل في السويداء من انتهاكات وجرائم، لكن بنفس الوقت لا يجب فصله عن سياق تسلسل الأحداث التي حصلت منذ لحظة سقوط النظام وحتى اليوم. ليس ذلك فحسب، لا يمكن موضوعياً، فصل كل الأحداث والانتهاكات التي حصلت بعد سقوط النظام، عن سياق الحالة السورية العامة، والتاريخ السوري الحديث منذ منتصف الستينيات وحتى اليوم، وتحديداً 14 عاماً من الحرب، وما تركته من آثار وشروخ عميقة على كل المكونات السورية. ما حدث في الساحل والسويداء، شيء كان متوقع حصوله في أي وقت، وعلى نطاق أوسع.
وربما نحن جميعاً كنا محظوظين أن تلك الأحداث لم تتسع أكثر جغرافياً وزمنياً.