من قسطنطين زريق إلى صفاء العلي
2025.10.13
حسين عبد الله الخلف
في خمسينيات القرن الماضي، وقف الدكتور قسطنطين زريق، رئيس الجامعة السورية آنذاك، في وجه الشرطة العسكرية التي اقتحمت الحرم الجامعي لاعتقال طالب أهان رئيس الجمهورية أديب الشيشكلي.
رفض زريق تسليم الطالب، معتبراً أن حرمة الجامعة أقدس من هيبة السلطة، وأن الحرم الأكاديمي لا يُدنّس بالسلاح.
وحين أصرّ العسكر على اقتحام الجامعة، قدّم استقالته احتجاجاً، وغادر إلى بيروت ليواصل رسالته في الفكر لا في الخضوع.
بعد أكثر من سبعين عاماً، تكرّر المشهد ولكن بصورة معكوسة تماماً — لا العسكر اقتحموا الجامعة هذه المرة، بل ثلاثة أشقاء مسلحين اقتحموا كلية الآداب في جامعة دمشق، دفاعاً عن شقيقتهم صفاء العلي، طالبة الدكتوراه من ريف درعا، بعد خلاف أكاديمي يتعلق برسالتها.
اعتدى الأشقاء الثلاثة بالضرب والتكسير على عدد من الأساتذة والموظفين داخل مكتب العمادة، مما أدى إلى إصابات جسدية ونفسية بين الضحايا، بينهم:
الدكتورة أماني فاخرة، رئيسة قسم اللغة الإنكليزية،
الدكتورة ليدا يوسف من قسم المكتبات،
العميد الدكتور علي اللحام،
وأستاذ الأدب العربي الدكتور أحمد الخضر.
تدخلت قوى الأمن واعتقلت المعتدين، فيما أعرب طلاب وأساتذة الكلية عن استنكارهم العميق، مؤكدين أن ما حدث يشكل انتهاكاً صارخاً لحرمة الجامعة واعتداءً على هيبة الأستاذ الجامعي.
وفي تطور لاحق، صدر قرار بسحب الموافقة المبدئية على تسجيل رسالة صفاء العلي، وإحالتها للتحقيق أمام الجهات الجامعية المختصة.
لكن ما يجب أن نتوقف عنده أبعد من الحادثة نفسها:
كيف تحوّل الحرم الجامعي من فضاء للعلم والحوار إلى ساحة تُنتهك فيها الكرامة بالسلاح؟
كيف انتقلنا من زمنٍ كان فيه رئيس الجامعة يتحدى السلطة لحماية طالب، إلى زمنٍ يُهاجَم فيه الأستاذ دفاعاً عن طالبة؟
إنها ليست مجرد واقعة، بل مرآة لزمنٍ انكسرت فيه هيبة الجامعة كما انكسرت هيبة الدولة.
وحين يغيب القانون عن جدران المعرفة، يحضر العنف ليملأ الفراغ، ويتحوّل الخلاف العلمي إلى معركة فيزيائية لا تشبه العلم في شيء.
اليوم، الدفاع عن الجامعة ليس دفاعاً عن مبنى، بل عن معنى — عن آخر معاقل الكرامة المدنية في وطنٍ يُراد له أن يعتاد الفوضى.