ماذا أرادات زوجة الشاعر عمر أبي ريشة من لقائها مع الباحث فنصة؟
2025.11.26
سعد فنصة
أروي هذه القصة المثيرة للمرة الاولى والتي أحتفظت بها في ذاكرتي طوال أكثر من ربع قرن، بالرغم من أنني كنت صحفيا شابا في هاتيك الفترة وكان بامكاني نشرها بكل يسر وسهولة.. إلّا أن مرور الزمن ضروي لنضوج الرؤية وهدوء المخيلة.. ودقة الرواية..
تبدأ قصتي عندما اتصل بي أحد الاصدقاء مبدياً رغبة زوجة الشاعر الكبير "عمر أبوريشة" بالتحدث الي، وذلك بعيد وفاته بـأشهر قليلة (للعلم هو توفي عام 1990).. وحددنا موعدا للقاء في فندق الشام، وبعد التعارف سألتني عن أبي وعمي.. وشقيقاتي.. نوار وريا و ليلى.. وبعض من أقربائي فتون وموانة ويولا ميسر بنات عمتي من زوجها الفنان السريالي "عدنان ميسر".. وسألتني كذلك عن شقيقه "اورخان" وزوجته "فكرية طرابيشي".. وكل من كان يؤم بيتنا في الأربعينات والخمسينات (القرن الماضي)، من ألمع نجوم الأدب والشعر والفن والسياسة وكأنها كانت تعيش بين ظهرانينا، بمعرفتها الوثيقة بنا، إذ كان والدي صديقاً مقرباً من الشاعر الراحل، وكذلك عمي نذير، بكتبه الممهورة بتقديم الشاعر "أبوريشة" خصوصا كتابه الفريد (عالم بلا سياسة) وأذكر سعيها الي بأنها تخطط لإقامة صالون أدبي في البترون بلبنان بعد إنتهاء الحرب، باسم زوجها الذي رحل قبل عام (كان اللقاء في عام 1991).. وأنها تعلم بأنني أمتلك الكثير من المذكرات والأوراق بخط الشاعر الراحل وهي تدعوني لصالونها الادبي بأن أكون أحد ضيوف هذا المنتدى، كانت سيدة تجاوزت حينها منتصف العمر بقليل.. لا تخف مسحة الجمال النادر والفاتن لمن هُن في سنها.. قدمت الي بطاقتها باسم "سعاد مكربل أبوريشة" وضعت عليها صورتها، وبالفعل حكيت لها بعض ذكرياتي التي بقيت في ذاكرة الطفل وبعضها على جانب كبير من الخطورة السياسية والتاريخية بحكم موقع الشاعر الكبير ليس كدبلوماسي سوري فحسب.. بل لكونه شاعر أصيل، جالس ونادم معظم قادة العالم العربي، وبعض أشهر قادة العالم من مشرقه الى مغربه.. الهام في قصتي تلك أنني أقترحت عليها زيارة والدي الذي كان في أيامه الاخيرة، ولكنه كان حاضر الذاكرة، إذا ارادت المزيد من الذكريات التي قد غفلت عنها..
وفي موعدنا التالي، اصطحبتها الى دارنا المتواضعة في المزة بدمشق والتقت بوالدي الذي أجاب باقتضاب شديد على أسئلتها، وعندما عدت الى أبي.. بعد أن قمت بايصالها الى مقر أقامتها في فندق "الشيراتون" القريب من داري.. كانت المفاجأة.. اذ قال لي والدي: "ليست هذه زوجة الشاعر عمر أبو ريشة فزوجته هي من أسرة مراد العريقة، وكانت ملازمة لزوجها في المملكة العربية السعودية... وكأنها صاعقة نزلت علي.. ما كل هذه الصور التي عرضتها علي.. والاشعار والاحاديث والذكريات.. اذن..
اتصلت فورا بالأديب الراحل "مدحت عكاش"، صاحب ورئيس تحرير (الثقافة) الدمشقية أنذاك متحرِّيا عما ينشره عن هذه السيدة الغامضة.. من أشعار باسم زوجها الشاعر ابوريشة.. فأجاب: انها زوجته الثانية التي لم يعلن زواجه منها.. وبقيت قصتها طي الكتمان لحين قيامها باشهار زواجها منه أمام المحاكم اللبنانية، وفازت بدعواها..
ولم أكن وقتها من هواة نشر (خبطات) صحفية، ولذلك عمدت الى التروي.. واستمرت اتصالاتنا فترة من الوقت حتى اختفت قصتها تماما بعد أن لمست أنها لم تكن لتهتم كثيرا أو قليلا بجمع تراث الشاعر وذكرياته، بقدر ما كانت تبحث عن إرث مادي.. يمكن أن تصدفه في أي مكان قد مر به ابو ريشة، وهذا حقها الشرعي بالطبع، ولكنني لم أكن الشخص المؤهل بالبحث عن أملاك الشاعر الموهومة.. كما كانت تأمل، من أراض وعقارات واموال منقولة، أو كما تتخيل.. وأنا باحث بين دفوف الكتب، لا أصلح للابحاث العقارية والحسابات البنكية....!