تعالوا لتروا عاركم وخزيكم الأبدي
2025.08.27
ممدوح عزام
المسألة باتت محيرة مع بعض المثقفين السوريين، يأتي الجنود السوريون إلى بيتي، دون أن يكون بيني، وبينهم، أو بيني وبين قادتهم أي مشكلة، فينهبون كل ما جمعته طوال عمري، يسرقونه، ويأخذونه إلى بيوتهم، أو إلى أسواقهم للبيع، ثم يحرقون ما تبقى من أثاث لا ينقل، يسرقون السيارة، وأسطوانة الغاز، ثم يحرقون المكتبة، لأن فيها ما لا ينفعهم، في شؤون التجارة، وزينة بيوتهم، وحين أدعو مثقفي بلادي لزيارة بيتي، وقريتي، يصمت الجميع، أدعوهم لزيارة مدينتي المنكوبة، يدير المثقفون ظهورهم لي، بمن فيهم، أصدقاء شخصيين، بيني وبينهم أحاديث، وكلمات عن الظلم والقهر ونهب البيوت وملاحقة الرأي، بمن فيهم مثقفون فروا من سطوة جنود آخرين في زمن ماض قريب، سبق لهم أن عفشوا البيوت، وقتلوا الأبرياء، وسرقوا الأثاث والعربات، والأدهى من ذلك أن من بينهم من يهتف مجاهرا بالرفض، بل إن الصفاقة، وانعدام الضمير لديه، تجعله يضع الجميع، الجميع بلا استثناء، ومنهم أنا، بكل تاريخي، ورواياتي، ومقالاتي، طوال السنوات الماضية من عصر الأسد الجبان، في صف بضعة أشخاص، وأنا أصر، وأتحدى أنهم بضعة أشخاص، رفعوا العلم الأزرق، في ساحة من ساحات مدينتي. والساخر الهازئ المريع أن من أسرع سعيدا يضع له لايك المناصرة، هم من بين أصدقائي. كلهم لا يريدون العودة إلى حضن سلطتهم الوطنية. بينما كنت أنا، وكانت تلك الساحة التي ذبحوا فيها النساء والأطفال والرجال، الرجال أنفسهم الذين كانوا يهتفون لسوريا، كنا كلنا في سوريا.
ما اسم هذا التعميم الفاضح؟ حماقة؟ لا ليس حماقة، بل هو دعوة لقتلنا جميعا ، يرفعها مثقفون سوريون بلا ضمير.
اللافت اليوم أن الضمير أضحى سلعة يتاجر بها الجميع، دون أي وازع أخلاقي.
وإذا كنا سنتحدث عن الضمير فالوقائع هي الحكم، لا الشطارة وألعاب الحواة: ثمة أكثر من ثلاثين قرية في السويداء، وكثير من أحياء المدينة، نهبت، وأحرقت بالكامل، وهجر سكانها، على غرار التهجير الصهيوني للفلسطينيين، ولا يزال أهلها ممنوعين من العودة إلى بيوتهم، حتى ساعة كتابة هذه المقالة، وإذا ما صدقت الأنباء، وقرروا أن يخرجوا من ديارنا، فسوف يرى العالم كله، بالعين، إذا ما أراد أو تجرأ أي شخص على الذهاب لرؤية الحقيقة، أو لتكذيبنا، ورفض روايتنا، عن المذبحة والنهب وإحراق البيوت، ومع ذلك فإن "ضمير" الشاعر، أو "ضمير" الروائي، أو "ضمير" الفنان التشكيلي، أو "ضمير" المحلل السياسي الصغير الراكض من محطة فضائية إلى محطة أخرى، لم يتحرك شبرا واحدا في المسافة الفاصلة بين الحقيقة، والولاء للسلطة. الحقيقة التي يزعم أنه يدافع عنها، وهنا أطلب مرة أخرى من مثقفي سوريا في الداخل والخارج: تعالوا إلى بيوتنا التي نهبت وأحرقت، واثبتوا أننا كنا خارج وطنكم. تعالوا ودافعوا عن أولئك القتلة الذين نهبوا بيوتنا، وأحرقوها، وقتلوا أبناءنا وبناتنا، وسرقوا كمنجاتنا وأعوادنا. تعالوا وأثبتوا أن بيتي الذي نهب، وغدا اليوم مرتعا للكلاب، كان ضد أحلامكم، تعالوا وأثبتوا أن كتبكم لم تكن في مكتبتي التي أحرقت، وضاعت، تعالوا لتروا عاركم وخزيكم الأبدي.