سوريا بين اليهودية (كدين ومواطنة) والصراع مع إسرائيل: تفكيكٌ ضروري للنقاش
2025.06.28
طرفة عدنان بغجاتي
قبل الخوض في موضوع “الاتفاقيات الإبراهيمية” وغيرها، ومناقشة مسألة التطبيع والحرب والسلام مع إسرائيل، لا بدّ لنا كسوريين من تفكيك هذا الملف المعقّد، كي نتمكن من متابعة النقاش حول هذه القضية الشائكة. فالوصول إلى نتائج عملية تصبّ في مصلحة وطننا سوريا لا يمكن أن يتحقّق إلا بعد مرحلة من الشرح والتفنيد والنقاش والمناظرة، مع وضع جميع “التابوهات” -أي المحرّمات والممنوعات الموروثة- جانباً.
سوريا حالة فريدة، لا يمكن مقارنتها بدول الاتفاق الإبراهيمي، ولا يُقاس وضعها على الأردن أو المغرب، ولا حتى على مصر الكنانة.
أولاً، ينبغي الفصل التام بين تعامل سوريا مع اليهود السوريين وأبنائهم وأحفادهم، وبين علاقتها مع إسرائيل. فليس من مصلحتنا، ولا من المنطق، أن تلعب إسرائيل دور الممثّل عن هؤلاء اليهود السوريين. ومن الواجب أن نعلنها صراحةً — لا تلميحاً — أن لليهود السوريين حق المواطنة، وحق زيارة وطنهم الأصلي، وأن يتمتعوا بكامل حقوق الإقامة والمواطنة التي يتمتع بها أي مواطن سوري، دونما نقصان أو شروط مسبقة.
ثانياً، يجب أن نُخرج من دائرة النقاش مسألة اعتراف الدولة السورية بجميع الديانات السماوية واحترامها لكل ديانات العالم، ومن بينها الديانة اليهودية، التي كانت — حتى مرحلة استلام حزب البعث للسلطة، والتي اعتبرت يهود سوريا امتداداً لإسرائيل — جزءاً أصيلاً من النسيج السوري وإرثاً دينياً وحضارياً لا يمكن إنكاره.
ثالثاً، ليس لدينا أدنى مشكلة في إدانة كل مظالم اليهود تاريخياً، وخصوصاً ما جرى خلال الحقبة النازية الهتلرية، والتي شُطبت بالكامل من كتب التاريخ المدرسية في عهد البعث. كما نُدين بشدّة تواطؤ نظام البعث، وتحديداً في فترة حكم حافظ الأسد، في إخفاء كبار مجرمي النازية، وعلى رأسهم ألويس برونر، الذي منحَه الأسد الأمان حتى وفاته. هذا التصرف لا يمتّ إلى ثقافتنا بصلة، ولم يُؤخذ رأي السوريين فيه، كما أنه يشكّل وصمة أخلاقية في تاريخ الدولة.
عندما نضع هذه النقاط الثلاث خارج دائرة الاشتباك السوري-الإسرائيلي، ونتعامل معها باعتبارها قضية سورية خالصة لا علاقة لإسرائيل بها، نكون قد أدّينا واجبنا الشرعي، والأخلاقي، والإنساني من جهة، ومن جهة أخرى نسحب من إسرائيل ورقة “يهود سوريا” و”اليهودية العالمية” و”المظلومية التاريخية”، مع التأكيد أن الأخيرة هي بالدرجة الأولى قضية أوروبية غربية، أكثر منها شرقية عربية أو سورية.
في ظل كل ما سبق، يبقى الصراع من وجهة نظر سورية محصوراً في الأرض والحدود فقط لا غير، سواء فيما يخص القضية الفلسطينية أو الأراضي اللبنانية المحتلة، وهذه مسائل إقليمية لا يمكن فصلها عن سوريا، لكنها قابلة للتحويل إلى ملفات سياسية بحتة، مع السعي الجاد لتقليص العامل الديني إلى الحد الأدنى الممكن.
هذه أمور يمكن وضعها على السكة من قبل الحكومة المؤقتة في سوريا، أما الحسم في قضايا الحرب والسلم، فلا يمكن أن يتم إلا عبر قيادة سياسية منتخبة للبلاد، بل وربما لا بدّ أن يُطرح عبر استفتاء شعبي مباشر.
*****
تعقيب بشّار عباس
كلام معقول ومعتدل وحكيم
لا غبار عليه
كما عودتنا دائما
المشكلة في الاتفاقات الإبراهيمية ليست الرغبة في السعي نحو السلام، فهذه مسألة لا يختلف عليها سوريان ولا يختلف عليها عربيان.
المشكلة هي في شكل هذا السلام وعلى حساب من سيكون، هل سيكون على حساب الضفة وغزة؟
والحقيقة أن التوجه نحو السلام بصفة مستعجلة سيجعل من سورية قابلة بشروط لا تناسبها بسبب ضعف موقف البلاد، فهي الان في أضعف وضع مرت به في تاريخها.
وهناك مشكلة أخرى تفضلت انت بالاشارة إليها وهي الشرعية.
لا بد من وجود شرعية للسلطة التي ستوافق على شروط السلام.
وارى أن الاستعجال بعقد صفقة سلام لاسترضاء الولايات المتحدة لن يزيد من رصيد السلطة القائمة، بل سيحولها إلى تابع لحكومة إسرائيل وجزء من حديقتها الخلفية.
لا يعني ذلك أنني ضد التوجه إلى السلام، ولكن هذه المسألة حساسة جدا ومليئة بالمنزلقات.
وحتى ياسر عرفات وهو معروف بدهائه، دفع ثمن اندفاعه وقبوله بتأجيل بعض النقاط للمستقبل في اتفاقية أوسلو حتى وصلنا الى الوضع الراهن.