كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بخصوص الوثائق عن علاقة بشار الأسد وزوجته بالمخابرات البريطانية

د. مضر بركات

في جلساتنا الخاصة مع بعض الأصدقاء المقربين جداً في لندن، وكالعادة كان شغلنا الشاغل هو أخبار سوريا، خصوصاً ما يتعلق بحياتنا العامة في الوطن وفي المغترب في ظل تطورات العلاقة الديبلوماسية بين سوريا وبريطانيا التي كانت قد عادت لطبيعتها إثر مشاركة سوريا مع التحالف الدولي في حرب تحرير الكويت، وذلك بعد قطيعة دامت لسنوات جراء اتهام سوريا بحكاية طائرة "العال" بناءً على اعترافات العميل المزدوج "نزار الهنداوي"..
أحياناً كنا نتسارر بصوت منخفض في بعض المسائل التي كنا ندرك أن الجهر بها يؤدي إلى "الغياب خلف الشمس".. وأعترف أن عملي في الإعلام آنذاك كان يدفعني لأكون أكثر جرأة لدرجة التهور أحياناً، وحيث أن الثقة المتبادلة كانت هي الضمان الوحيد لعدم تسريب ما نتداوله في جلساتنا، ورغم ذلك حصل أن بعض الاصدقاء قاطع تلك الجلسات تماماً بعدما قلت يوماً أنني على قناعة مطلقة أن الاستخبارات البريطانية تسعى لإيصال بشار الأسد إلى السلطة، وأن أسماء الأخرس قد تكون قنبلة موقوتة، وأعتقد أن ذلك لن يحصل دون مباركة حافظ الأسد الذي كانت المؤشرات تؤكد تنسيقه مع بريطانيا بالتزامن مع انهيار علاقته مع فرنسا.. ولعل أبرز تلك المؤشرات التي تجلّى بها ذلك التنسيق هو مساهمة بريطانيا في حل أزمة سوريا مع فرنسا في مسألة تسعير الليرة مقابل الدولار كأساس لطباعة النقد السوري الجديد الذي أطلق في العام 1997، حيث ظهرت ورقة الألف ليرة التي حملت صورة حافظ الأسد، الأمر الذي أدركت فيما بعد انه كان تخليداً لجهوده في إنهاء تبعية الاقتصاد السوري للاقتصاد الفرنسي، خلافاً للوضع الذي كان سائداً بموجب بنود اتفاقية الجلاء..
ويجدر هنا التذكير بمؤشر آخر حيث أن حافظ الأسد حين أدرك قرب أجله مع اشتداد مرضه، لجأ إلى براغماتيته المعتادة لاسترضاء فرنسا مستعيناً ببعض الوسطاء (قيل أن رفيق الحريري كان هو الوسيط)، حيث أوفد ابنه بشار إلى فرنسا في زيارة استعطاف وإبداء خضوع، ورغم أنه لم يكن لبشار آنذاك أي صفة رسمية تستوجب استقباله استقبالاً رسمياً في قصر الإيليزيه، فقد فعل ذلك جاك شيراك مبدياً عدم ممانعة فرنسا في تسهيل المخطط البريطاني والتخلي عن تنصيب عبد الحليم خدام بعد رحيل حافظ الأسد..قد تكون صورة ‏‏كعب تذكرة‏ و‏نص‏‏
وجهة نظري تلك آنذاك، حول دور بريطانيا، كانت مبنية على ما كنا نتداوله في لقاءاتنا من أحاديث ومعلومات حول دور العرّاب (غيث أرمنازي) في تدبير تلك العلاقة بين بشار و أسماء الأخرس..
الوثائق الاستخبارية السورية المنشورة تشير أن ذلك العراب كان له الدور الأساسي، لكنه في الواقع لم يكن وحيداً في تلك المهمة بل شاركه آخرون من (وجهاء الجالية السورية) الذين كنا نصفهم ب(شلّة الخمس نجوم) بحكم حظوتهم في علاقاتهم مع مسؤولين سوريين ومع السلطات البريطانية في آنٍ معاً، ولم يكن خافياً أن هؤلاء الذين (ما كانوا يتكنّسوا من السفارة) كانوا يستثمرون في علاقتهم مع أعضاء البعثة الديبلوماسية الذين كانوا بحاجة لبناء وتجديد علاقات السفارة في بريطانيا بعد سنوات القطيعة..، وأذكر أنه في حوالي 2006 تم اعتماد الأرمنازي رئيساً لـ(المكتب الإعلامي السوري في بريطانيا)، ورغم ما قد يبدو على هذه التسمية من تواضع إلا أنها كانت باباً واسعاً مفتوحاً على مصراعيه لتسهيل واستثمار وتغطية علاقاته لدى الجانبين.. كما أذكر أنه كان يتولى مكتب الجامعة العربية في لندن، بالإضافة إلى كونه من جانب آخر مسؤول في الحزب السوري القومي في لندن، حيث ما زال يقيم اليوم في ويست-كنزنغتون وقد تجاوز الـ75 عاماً.. وفي منطقة مجاورة يقيم أبناء شقيقه (زيد و بشير) كلاهما درسا في "كلية إمبريال" وما زالا يقيمان هناك ويعملان في مصارف لندن، وهما إبنا شقيقه (عمرو أرمنازي / 74 عاماً) الذي كان مديراً لمركز البحوث العلمية في برزة بريف دمشق والذي تعرض لقصف متكرر من الصهاينة وحلفائهم..
على أي حال.. أعتقد أن الحذر والحكمة يستوجبان أن أتحفظ على أسماء (شلة الخمس نجوم) التي كان فواز الأخرس راعيها لسنوات عديدة، فهؤلاء يعيشون تحت حماية القوانين البريطانية، وإن كان لهؤلاء من أهمية فلعل أسماءهم تظهر في وثائق جديدة يتم كشفها قريباً، رغم أن كشف هذه الحقائق وشبيهاتها بعد سقوط الطاغية المأفون، فقدَ الكثير من أهميته وبات مسألة تاريخية أكثر منها سياسية، وجُلُّ ما يمكن استثمار هذه المعلومات به ربما هو إضافتها إلى لائحة الاتهام بالخيانة العظمى في محاكمة الطاغية الساقط وزوجته حين تقوم موسكو بتسليمه إلى دمشق مقابل (صحن تلّاج) في أحد محلات الحلويات بقرب مرفأ طرطوس، أو مقابل (صحن كنافة أم النارين) على كورنيش جبلة القريبة من قاعدة حميميم...
هذا بعض تاريخهم، ولا شك أن ما خفي أعظم..