الراعي والمرياع والكلب الأمريكي
2025.07.23
من يعتقد أن سياسات الولايات المتحدة في سوريا تتعارض أو تختلف عن سياسات اسرائيل التقسيمية فهو واهم.
التصريحات الأمريكية اليومية غير المتناسقة وغير المنسجمة الصادرة عن مسؤولين في مختلف المستويات في الادارة الأمريكية، ليست تناقضا كما يراها البعض، بل هي تكتيك منضبط ومدروس، يحاول الأمريكي من خلاله توجيه تيارات الرأي العام في سوريا على طريقة "كلاب الراعي" التي تناور من الشمال تارة ومن الجنوب والغرب تارة أخرى، ومن الخلف إذا لزم الأمر لدفع القطيع بالاتجاه المحدد سلفا لسوق القطيع الى المسار الذي حدده الراعي في تل أبيب.
عندما تخرج تصريحات تتضمن موقفا يلزم قسد بالانضواء تحت راية دمشق (ضرورة الاندماج ضمن الحكومة السورية)، هذا يزيل الشك والتردد عند جمهور سلطة الأمر الواقع باستمرارية القيادة السنية ويعزز الولاء المذهبي لديهم، ويعطيهم دفعة اضافية لمتابعة الانقياد خلف الجولاني، في الوقت نفسه يخرج تصريح ٱخر من شخصية أخرى في الإدارة يؤكد على قوة التحالف الأمريكي مع قوات سوريا الديموقراطية معززا بشيك بقيمة 130 مليون دولار، وهذا أيضا يثبّت تموضع الموقف الكردي في السياق الأمريكي وينفي شائعات تخلي واشنطن عن قسد لصالح الحكومة المركزية في دمشق، بالتالي تتلاشى فكرة تبدل التموضع من حضن واشنطن الى حضن فرنسا وروسيا كما أشيع، فالنتيجة للتصريحين تصب في سياق توحيد المسار خلف المرياع الذي يقود القطيع باتجاه الحظيرة.
وعند أي فوضى تكاد تحدث غربا نتيجة تزايد عمليات الخطف والقتل والتنكيل بالعلويين، تسرع جهات أمريكية وربما بريطانية إلى الحديث عن مجازر الساحل متضمنة عبارات تداعب ٱمال هذا الجمهور بتحقيق العدالة ومحاسبة الجناة (تقرير وكالة رويترز) وتوهمهم بأنها مهتمة لمصابهم، فيهدأ ويعود للانضباط والانتظار بصمت في سياق القطيع.
ولما كانت اسرائيل بحاجة إلى سبب لتعزز سيطرتها وتتوسع أكثر في الجنوب بعد الانتهاء من تدمير السلاح السوري كذريعة، كون الجنوب هو نقطة انطلاق تنفيذ المسار المرسوم لسوريا، بادرت واشنطن إلى مناورة من الخلف (تفاهم باكو) مترافقة بتصريحات أوحت لسلطة الأمر الواقع أنه بامكانها بسط سيطرتها على الجنوب ولو بخشونة، فعلا تلقفت سلطة الامر الواقع في دمشق هذه الايحاءات و عدتها فرصة للجم المعارضة المتمسكة بسلاحها في محافظة السويداء تحت قيادة رجل الدين الشيخ حكمت الهجري (غير المنضبط في مسار القطيع حتى اليوم)، وقامت عبر فصائلها المنضوية تحت وزارة الدفاع بالاعتداء على الدروز، ولما لاقت مواجهة عنيفة من الفصائل المسلحة الدرزية، وضغوط كبيرة من الرأي العام السوري، وتدخلات غربية واقليمية، سحبت فصائلها وأعلنت النفير العام الذي استجاب له مئات الٱلاف من بدو العشائر تسلل بينهم (بعلم السلطة) عشرات الٱلاف من مقاتلي 11 لتندلع بعد ذلك اشتباكات ومجازر دفعت بالدروز الى طلب الحماية الدولة، واتاحت للدروز في اسرائيل (الشيخ طريف) بطلب تدخل حكومة نتنياهو لحماية أهلهم في السويداء (وهو المطلوب).
طبعا لم تتأخر اسرائيل كثيرا، فاستخدم الراعي الاسرائيلي عصاه (قصف وزارة الدفاع في دمشق قصف قوافل البدو) في تنظيم تلك الفوضى ونقلها من حالة التفجّر إلى حالة السيطرة التي تعزز مسار القطيع، فهو يدافع عن الدروز ويحميهم في مناطقهم، ويعطي مبررات لابعاد البدو السنة. في هذه المرحلة، فرض الأمريكي على سلطة الأمر الواقع الانسحاب من السويداء وترحيل البدو الى مناطق الديموغرافيا السنية، وعادت التصريحات الأمريكة لتعزيز سلطة الأمر الواقع وتعزيز دورها كمرياع لتوجيه القطيع في المسار المؤدي إلى الحظيرة التي تعدها إسرائيل بتوافق امريكي غربي ومقسمة إلى كانتونات طائفية تسهل السيطرة عليها لعشرات السنين.
وإن غدا لناظره قريب..
أ- ا