الدولة اليهودية بين الواقع والخيال
2025.05.27
لطفي السومي
ليس هناك قصة في التاريخ الإنساني جرى تسويقها بالقوة نفسها التي سوقت من خلالها القصة اليهودية، والتي اعتمدت على قوة الاديان وقوة الايمان الديني لدى الأفراد والجماعات.
لقد كتبت التوراة كما بيًن العلم والدراسات المقارنة وعلم الاثار للمرة الاولى في الإسكندرية باللغة اليونانية التي كانت تسود في الإسكندرية في العهد البطلمي في الأعوام ٢٦٩ - ٢٧٠ ق. م والتي سميت بالتوراة السبعينية والتي لم تكن ترجمة كما يدعي التوراتيون إذ لم يكن للنص التوراتي اي وجود مكتمل قبل ذلك. علما بأن النص التوراتي يدعي ان الجزء الاول منه قد كتب بإصبع الرب وأعطي على شكل لوحين لموسى اثناء مرحلة الخروج في آواخر القرن الثالث عشر ق. م وأكمل الرب تلقينها لموسى عند جبل نبو في الاردن قبل موت موسى في نفس المرحلة. اي ان حوالي ألف سنة تفصل بين وجود التوراة الحقيقي كعمل بشري جرى في الإسكندرية وبين الادعاء التوراتي الخيالي.
تدعي التوراة ان زحف من اسمتهم زورا “بني إسرائيل“ قد استمرّ حتى عبروا إلى فلسطين بقيادة يشوع بن نون، واحتلوا كامل فلسطين وجزءاً من الأردن وأقاموا دولة إسرائيل الموحدة والتي بلغت أوج عظمتها في عهدي داود وسليمان ١٠٠٥ - ٩٣١ ق. م. بينما يقول عالم الاثار إسرائيل فنكلشتاين ونيل أشر سلبرمان “كانت الملحمة المجيدة للحكم الملكي المتحد (داود وسليمان) مثلها مثل قصص الاباء (إبراهيم وإسحق ويعقوب) وقصص الخروج الجماعي (من مصر) وقصص غزو كنعان تأليفا رائعا نسج من حكايات وأساطير“ ص١٩١ ترجمة التوراة مكشوفة . اي ان مجمل السردية التوراتية مجرد تاليف خيالي لا علاقة له بالواقع.
كما ان تسمية هذه المملكة بـ“مملكة إسرائيل“ هو سرقة موصوفة اذ ان مملكة إسرائيل كانت مملكة كنعانية من الناحيتين الاثنية والدينية، اذ ان كلمة إسر تعني باللغة الكنعانية عهد او ميثاق واما إيل فهو رئيس مجمع الالهة الكنعانية اي ان إسرائيل تعني ”عهد ايل“ ولو كانت دولة يهودية لكان يجب ان يكون اسمها اسر يهوه او عهد يهوه. وفي ذلك يقول فنكلشتاين وسلبرمان “إن اسرائيلية المملكة الشمالية كانت - من عدة نواح - مجرد فكرة يهودية ملكية متأخرة“ ص٢٤٣ ترجمة التوراة مكشوفة. اي ان كتبة التوراة قد سرقوا اسم الدولة لان مملكة إسرائيل كانت هي المملكة الاهم في فلسطين.
كانت كل من مملكتي إسرائيل من جهة ويهودا من جهة اخرى هي ممالك كنعانية، وقد يتساءل القارئ كيف تكون يهودا كنعانية واسمها يهودا فأرجو العلم ان يهودا هو اسم المقاطعة وان اليهود حملوا الاسم في القرن الاول الميلادي نسبة إلى اسم المقاطعة وليس العكس.
لم تقم دولة يهودية في فلسطين حتى ازداد عدد عبدة يهوه المتسللين من الجنوب، فقاموا بثورة ضد الحكم السلوقي اليوناني عام ١٦٣ ق. م واستطاعوا السيطرة حوالي عام ١٤٠ ق. م وفرضوا العبادة اليهودية عام ١٠٣ ق. م حين فرض ملكهم ارستوبولس على سكان يهودا وإسرائيل وادوم وفلستيا التهود او الطرد او القتل فتهود أغلبهم وحين سقوط الحكم الحشموني عام ٦٣ ق. م عاد بعضهم إلى ديانتهم الأصلية او استمروا على تهودهم اي انه لم يقم حكم يهودي في فلسطين إلا بين ١٤٠ - ٦٣ ق. م وكل حديث نتنياهو عن دولة يهودية لآلاف السنين باسم إسرائيل هو مجرد هراء لا اساس له. ومن جهة اخرى فإن ٩٠٪ من يهود العالم هم من يهود الخزر والذين اعتنقوا اليهودية مع ملكهم بولان عام ٧٤٠ م وهم الذين تنتشر بقاياهم بكثافة في أوكرانيا وروسيا البيضاء وليتوانيا وبولونيا وهم يشكلون ثلاثة ارباع سكان إسرائيل حاليا.
لقد اسقط علم الآثار الكثير من الهراء التوراتي، ولا زال أمامنا الكثير من الأباطيل.