بعض ما حدث في "سورية الأسد أو لا أحد"
2025.05.22
نصر شمالي
ما أراه حقيقيا وواقعيا هو أن منصب رئيس الجمهورية كان شاغرا في "سورية الأسد أو لا أحد"! فالأسد كان مجرد رئيس جهاز ضخم من القامعين والسجانين والقتلة، وليس رئيس جمهورية، وسورية كانت مجرد سجن كبير لشعبها وليست جمهورية!
أما عن كتلة الجمهور الضخمة التي انتخبت الأسد "رئيسا للجمهورية" عام1971 فهي كانت مجرد صفر ضخم ملفق!
والحال أن "جمهورية الأسد" كانت جمهورية الشواغر والأصفار من أعلى إلى أدنى وظيفة فيها، فالأسد لم يكن يتعامل مع الناس كبشر، بل كأرقام شكلية وكأدوات وكأشياء!
وهكذا، فلم يكن في زمنه ثمة حزب، ولا مجلس شعب، ولا مجلس قضاء، ولا مجلس وزراء، بل مجرد هيئات صورية مظهرية كانت مراكز رئاساتها شاغرة على الدوام، أما من ملأ جميع تلك الشواغر (من فوق لتحت) فهو جهاز القمع والسجن والقتل!
وفي هذا السياق، وكمثال عن هذه الحقيقة الواقعية بصدد الشواغر، أخبركم أنني كنت سجينا في سجن المزة في النصف الأول من العام1971، وذات ليلة جاء السجانون واقتادوني إلى حيث لا أدري خارج السجن، فكان أن وجدت نفسي في مواجهة أعضاء مكتب الأمن القومي (المخابرات) في قيادة القوى الجوية (الآمرية) وقد وقفت في منتصف الغرفة ومن حولي جميع أعضاء المكتب مسترخين على مقاعدهم، ناجي جميل رئيسهم خلف مكتبه، وحكمت الشهابي وعلي دوبا وعدنان دباغ وعلي المدني.. وغيرهم.. ومن دون مقدمات، وبنبرة شديدة التعالي، خاطبني ناجي جميل قائلا أنهم سيطلقون سراحي ويعينوني رئيسا لمحكمة أمن الدولة لأحاكم أعضاء القيادة السابقة السجناء! وسألني ماذا سيكون حكمي عليهم؟! وقد سألته، مجاريا إياه في طريقته، عن التهم الموجهة إليهم؟! فاستوى في جلسته متوترا، وقال بنبرة قاسية غاضبة مستنكرة: "ما بتعرف التهم؟ جميع الناس في الشارع بيعرفوها، وأنت ما بتعرفها؟ الشارع حكم عليهم بالإعدام، وأنت لا تعرف شو الحكم؟ قلت له: "أنا لست من الشارع"! فاستشاط غضبا، وهب واقفا مكررا ما قاله من عبارات، ثم التفت إلى علي المدني (قائد الشرطة العسكرية) وقال له: "أرجعه إلى السجن، وضعه في زنزانة مرتبة تجعله يعرف فيها كيف يحاكم وكيف يحكم.. الخ"!
أريد أن أنتهي من هذه السيرة الفظيعة إلى القول: صدقوني لو أنني وافقته على ما قاله لعينوني على الفور، في تلك اللحظة، أنا السجين، رئيسا صوريا لمحكمة أمن الدولة الصورية، التي كان مركز رئيسها شاغرا كغيره من المراكز في جميع الدوائر، لكن هذا لم يكن يمنع رئيس تلك المحكمة الصورية من إصدار أحكام بالإعدام، توضع أمامه جاهزة، ويطلب منه إصدارها، ويجري تنفيذها، فيعدم فعليا من صدرت ضدهم!