الخطر القادم من "تحت"
2025.05.08
شعبان عبود
من سمع الرئيس أحمد الشرع في باريس، ومن سمعه سابقاً في مجمل لقاءاته الصحافية سيشعر ربما بالاطمئنان لناحية امتلاكه البوصلة ومعرفة الرجل للتركيبة السورية الداخلية المعقدة والسياسات الدولية المتشابكة، لكن من يسمع أنصاره ومؤيديه سيشعر بالذعر وسيخشى مما قد يأتي به المستقبل.
بصراحة يتبنى أحمد الشرع خطاباً سياسياً يتسم بالبراغماتية، يسعى من خلاله إلى تقديم نموذج “الوسطية الإسلامية” كبديل عن التشدد الذي طبع ماضيه وماضي بعض التنظيمات الإسلامية في سوريا والمنطقة. يهدف هذا الطرح إلى إيجاد صيغة توفيقية بين المرجعية الإسلامية والتعدد السوري الديني والثقافي، من خلال خطاب عقلاني يراهن على الاعتدال والقبول المتبادل. غير أن هذه الرؤية، على الرغم من جاذبيتها ، تواجه مأزقاً يتمثل في ازدياد نفوذ القواعد الشعبية المتشددة التي تحتفظ بولاء ديني وأيديولوجي عقائدي صارم، لا ينسجم مع الطروحات المعتدلة التي يتبناها الشرع.
في المشهد السوري العام لوحظ ممارسة سياسات تضييق على الحريات الفردية، شملت فرض أنماط سلوكية دينية على المجتمع، مثل التدخل في اللباس، الفصل بين الجنسين في حافلات الموظفين في القطاع العام، الرجال في الأمام والنساء في الخلف، اعتداءات على ملكيات فردية مثل ذلك الذي استهدف الملهى الليلي في دمشق… إلى آخره. إن مثل هذه الممارسات تُفرغ خطاب “الوسطية” الذي يتبناه الشرع اليوم من مضمونه، وتحوّله إلى مجرد واجهة سياسية دون عمق اجتماعي.
التجربتان التونسية والمصرية تقدمان مثالين واضحين على المخاطر التي يمثلها تصاعد نفوذ هذه القواعد المتشددة. في تونس، عانت حركة النهضة من انقسامات داخلية وصراعات مع تيارات سلفية رفضت انفتاحها على القوى المدنية، مما اضطرها إلى التراجع عن كثير من مواقفها بعد احتجاجات شعبية حادة. القواعد المحافظة كانت تضغط من أجل فرض أجندة دينية، في وقت كانت القيادة تحاول الموازنة مع متطلبات الدولة ومفهوم المواطنة.
في مصر، واجه الإخوان المسلمون تحديات مشابهة بعد وصولهم للسلطة، فبينما حاولت القيادة السياسية للجماعة اعتماد خطاب ديمقراطي بقيت قواعدها متشبثة بخطاب ديني تقليدي، وممارسات إقصائية ما أدى لاحقا إلى صدام مع المجتمع مهد بدوره لإسقاط الجماعة وإزاحتهم من السلطة.
المقارنة مع هاتين التجربتين تُبرز أن فشل القيادات الإسلامية في ضبط أو تجديد قواعدها الأيديولوجية غالباً ما يُسهم في سقوط المشروع بأكمله. ما يواجهه أحمد الشرع اليوم لا يختلف كثيراً، إذ إن تغوّل التيار المتشدد وتدخله الثقيل في الحياة العامة قد يُفرغ خطاب وسياسات الشرع من أي مضمون إصلاحي، ويزيد من جمهور المشككين.
ما هو مطلوب اليوم من الإدارة الجديدة ضبط سلوك قاعدتها المتشددة، لأن الشرعية لا تُبنى فقط على الدعم الشعبي، بل تكمن في القدرة على احتواء التطرف داخل معسكر المؤيدين ومنع تحوله إلى قوة معطلة لمشروع الدولة. فالتطرف حين ينمو داخل جمهورك، يصبح خصمًا لك..