الاعتذار يأتي ممن أخطأ عامدا بحق شعبه
2025.03.03
أنس جودة
الاعتذار يأتي ممن أخطأ عامدا بحق شعبه، وهو أحد خطوات العدالة الانتقالية المطلوبة لإراحة النفوس وتهدئتها.
ولكن كما كل شيء في هذه البلاد نمعن في انتهاك المصطلحات والمسارات حتى تصبح ممسحة تحت أقدام الغوغاء وتفقد أي قيمة ايجابية ممكنة.
انتهكنا الحوار الوطني على مدار السنوات السابقة حتى تحول لحفلات استعراض، انتهكنا المصالحة حتى أصبحت غطاء للمقاتلين المرتزقة، انتهكنا العملية السياسية حتى أصبحت سياحة في العواصم، انتهكنا الدستور والمبادى فوق الدستورية حتى أصبحت سجالات عقيمة، انتهكنا فكرة المعارضة حتى أصبحت مسخرة، وانتهكنا قيمة المجتمع المدني حتى تحول لارتزاق أمام المانحين.
واليوم يتم انتهاك قيمة الاعتذار بالطلب من معارضين شرفاء من الطائفة العلوية أن يعتذروا لعموم السوريين عن أفعال قام بها النظام السابق لا لشيء إلا لأن العائلة الأسدية علوية، متناسين ان العائلة أجرمت قبل أي أحد آخر بالعلويين أنفسهم وخصوصاً المعارضين منهم ، ويطلب منهم رغم كل سنوات الحرمان والقهر والسجون أن يتحملوا وزر جرائم السلطة وفقا لمنطق أعوج أحمق لايسعى في العمق إلا لإخراج طائفة بأكملها من الحياة السياسية وتحويلها لمتفرج يحمل عقدة الذنب وتأنيب الضمير عن أشياء ارتكبت عليه وبحقه قبل أن ترتكب بحق الآخرين.
إذا أردنا ان نفتح باب الاعتذارات يجب أن نبدأ منذ نهاية الخمسينات، ونمر عبر المراحل كلها لنرى من أخطأ عامداً بلؤم ومن جرب فأخطأ وكان له أجر واحد، وأن نعود لبداية الحراك ونرى من أخطأ معارضة وسلطة ومجموعات مسلحة ودول راعية وداعمة للأطراف ونرى من أخطأ ونطلب منه الاعتذار ونرى من يستحق المحاسبة من الجميع، أما توجيه الأصابع باتجاه فئة بعينها فهو اجرام بحق السوريين لايقوم به ويروج له في الخفاء إلا شخص أحمق على أقل التقدير إن لم نتحدث عن توصيفات وغايات أخرى.
اخوتي العلويين، انتم جزء أصلي من هذه البلاد، مورس عليكم الاضطهاد والقمع والاذلال لعقود طويلة بدعوى الخروج عن الدين، ومورس عليكم بعدها الاذلال والاستخدام الممنهج لحراسة النظام مقابل لقمة عيشكم، واليوم يمارس عليكم العنف المعنوي لاخراجكم من الشأن العام والعودة لتكونوا مواطنين من الدرجة العاشرة كيهود أوربا أو كفلسطيني غزة، ارفضوا ذلك وكونوا مواطنين كما تليق بالسوريين المواطنة الكاملة.
من حمى النظام وأبقاه واقفاً ليس العلويون كطائفة بل أزلامه المولودون بداية من الطائفة السنية من ريف حمص وريف دمشق وريف حلب ودرعا ودير الزور وإدلب وبانياس وغيرها من المناطق والذين كانوا موجودين في كل مفاصل السلطة من الحزب إلى الحكومة إلى الجيش إلى الأجهزة الأمنية نفسها، بالإضافة إلى بقية التنويعات الطائفية حتى يكتمل المشهد "الوطني" هذا الاصطفاف لم يكن أبدا اصطفافاً طائفياً بل طغمة حاكمة وعصباً سلطوياً مستحوذاً على الحكم وعابراً لكل الطوائف، واذا اردنا فتح الصفحات فيجب أن تكون على هذا الأساس وليس على أي أساس آخر.
وأد الفتنة وإراحة النفوس يكون بكشف الحقائق والتعرف على مظلوميات الجميع حتى نسير في طريق المصالحة الوطنية التي تتضمن في بنودها المحاسبة، فلنتبعد عن الأفاقين والقافزين ونتمسك بهويتنا الوطنية السورية فهي أماننا وفيها نجاتنا جميعاً.