كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ذكريات طالب

د. عماد قوزي شعيبي

في السنة الخامسة للهندسة توقف تخرجي على مادة أسس هندسة الحاسبات. كنت أشعر بخطر أن تبقيني مدة طويلة دون تخرج. تفاقم القلق عندي وتعاظم، وأنا في تسارع الزمن أريد أن أتخرج لأخدم العلم وأبني حياتي، فسارعت للحصول على مراجع انكليزية من مركز البحوث العلمية، تفيدني في حل المسائل واحتمالاتها. وساعدني في ذلك أستاذي السفير الاسبق د. سامي الخيمي وصديقي و جاري السفير الحالي د. عماد مصطفى مشكورين، وطفقت اشتغل على تلك الكتب الأجنبية، حتى أتقنت المادة، بعد معاناة ودأبٍ لازلت استشعر اختلاطاتها بقلق المستقبل، بل سرعان ما أصبحت مرجعًا لزميلاتي وزملائي بها، أدرسهم إياها قبل الامتحان وأبرع في ابتكار احتمالات الأسئلة المفتوحة وفي ابتكارات طرق حلّها المختلفة، ما حفزني على المسارعة لاستصدار كتابٍ ألفته قبل أن أتخرّج بعنوان:(تعليمات وبرامج تأسيسية في المعالج الميكروي 80-85A) لأخدم به زملائي اللاحقين وأخفف عنهم عذابات حمل هذه المادة.
تقدمت لامتحان المادة، وتعمدت ان أقوم بشرح كل خطوة أخطوها وأنا أبرْمج المسائل المطروحة، كما لو أنني أستاذ المادة وأُدرّسها لأحدهم. ومضت أيام قبل أن يلقاني استاذها آنذاك في رواق كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية ليقول لي أنت الوحيد الذي ألزمتني أن أضع علامة 80/80، وكنت قد نلت في العملي 17/20 فأدركت أن علامتي غدت 97/100 وهي أعلى علامة نلتها في دراستي للهندسة لم تتفوق عليها إلاّ علاماتي في دراستي الفلسفة حيث نلت في المنطق (100/100). كانت تجربةً تؤكد قول نيتشه الفيلسوف الألماني:( عشْ في خطر)؛ فقلقي دفعني لتحصيلٍ علمي يفوق ما يقدمه الكتاب الجامعي.
عندما أخبرتني زميلتي هاتفيًّا وهي مدهوشة بعلامتي، قطعت المسافة الطويلة الى كلية (الهمك) هرولة لأملأ وأُمتع عينيّ بالرقم 97 الذي لم يحصّله غيري سابقاً ولأزهو بصمتٍ بنتيجة عملي.
لازالت آثار تلك المادة قابعةً في وجداني، حيث أتابع من حين لآخر لغات البرمجة واستشعر الأسى؛ لأنني لا أملك الوقت لإتقانها، ولا يوازيها في ولعي إلاّ مادة الرادار وأسس هندسة الاتصالات التي عملت عليها عمليًّا لسنين قبل أن تسرقني السياسة والفلسفة والفكر والفيزياء الكوانتية.
جميلة تلك الذكريات لا تفارقنا!