الثورة البلشفية والبروليتاريا.. من الحلم الثوري إلى سؤال الحاضر (في ذكرى الثورة البلشفية)
2025.11.08
محمود اسماعيل
عندما اندلعت الثورة البلشفية في عام 1917 لم تكن مجرد انقلاب سياسي على حكم القياصرة، بل كانت زلزالا فكريا هزّ أسس العالم الحديث.
رفع البلاشفة بقيادة فلاديمير لينين شعار (كل السلطة للسوفييتات)، مؤكدين أن التاريخ لا يصنعه الأباطرة بل الطبقة العاملة – البروليتاريا – التي اعتبرها كارل ماركس (القوة المحركة للتاريخ) و(حفار قبر الرأسمالية).
لقد أراد لينين أن يترجم الماركسية من نظرية في الكتب إلى واقع سياسي، فكانت الثورة البلشفية أول محاولة لتجسيد ديكتاتورية البروليتاريا كنظام بديل للرأسمالية، لكنها في مسيرتها واجهت التناقض المأساوي بين المثال والممارسة، إذ تحولت الدولة التي ولدت باسم العمال إلى جهاز بيروقراطي متصلب، كما لاحظ جورج أورويل لاحقا حين كتب في مزرعة الحيوان: (كل الحيوانات متساوية، لكن بعضها أكثر مساواة من الآخر).
في النصف الثاني من القرن العشرين تحولت البلشفية إلى منظومة عابرة للقارات، لكنها أيضا استنزفت تحت ثقل صراعها مع الغرب الرأسمالي حتى انهار الاتحاد السوفييتي عام 1991 لتعلن نهاية (الحلم الأحمر) كما سماه المؤرخ إريك هوبسباوم.
ومع ذلك فإن أفول البلشفية لا يعني موت أسئلتها، فاليوم في زمن التفاوت الاجتماعي والذكاء الاصطناعي والاحتكار المالي تعود روح النقد الماركسي لتطرح نفسها مجددا:
من يملك وسائل الإنتاج الرقمي؟ من يتحكم في المعرفة؟ وهل ولدت طبقة عاملة جديدة، ولكن بملابس مهندسي البرمجيات وسائقي المنصات الرقمية؟
لقد تغير شكل البروليتاريا، لكن جوهر السؤال لم يتغير: كيف يعاد توزيع الثروة والسلطة في عالم يعاد تشكيله كل يوم؟ وكأن التاريخ كما قال ماركس (يعيد نفسه مرة كمأساة ومرة كمهزلة) ونحن نعيش اليوم بين الاثنين.