بالتوفيق ولكن
2025.12.07
خالد نعمة
نحو نهاية القرن الماضي، وقبل وفاته بخمس سنوات، وتحديداً في الثامن والعشرين من كانون الأول لعام 1998، وضمن ذكريات مسجلة ومفرَّغة غير منشورة، ذكر (دانيال نعمة) الآتي:
(حدث أول اجتماع للجبهة الوطنية التقدُّمية وكنا منقسمين، لأنَّ انقسام حزبنا الشيوعي قد حدث في 3 نيسان عام 1972، في حين جرى الاجتماع الأول للجبهة يوم عيد ميلاد لينين، أي في 22 نيسان من ذلك العام، وكان خروج جمال الأتاسي من الجبهة بقرار صادر عن حافظ الأسد، وكذلك كان مجيء فوزي الكيالي مكانه ومجيء إسماعيل القاضي مكان الوزير عبد المجيد منجونة، لأنَّ بيانات أو رسائل داخلية صودرت من سيارة الوزير، وكان فيها هجوم على البعث وانتقاد شديد له وموقف مخالف لموقف الجبهة، وكانت هذه المسألة مسألة حزب في الجبهة يصدر بيانات أو تعميمات أو نشرات فيها عداء للبعث، لذلك ما كان بالإمكان إبقاؤه.
وعندما أعلن إخراج جمال من الجبهة، قلت أنا في الاجتماع:
- فليوفـِّـقه الله.
فأجابني الرئيس حافظ ممتعضاً:
- أن يوفـِّـقه الله، فهذا يعني أن تخرب هذه الجبهة، وأن ننكسر).
وبما أنـَّـني ابن أبي، الذي تمنـَّـى التوفيق لرفيق درب سابق كان في خلاف سياسي معه بعد أن عبر إلى ضفة أخرى، فإنـَّـني وبمناسبة الذكرى الأولى لإسقاط زعيم العصابة الحاكمة التافه والمعتوه الهارب حتى الآن من المساءلة أمام أقواس القضاء على ما اقترفه من جرائم إبادة وقمع وإفقار بحق الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب السوري، سأحاول أن أتفوَّق على والدي بأن أتمنـَّـى كلَّ التوفيق للذي لست في تحالف معه، ولن تجمعني به أي رابطة فكرية أو سياسية أو اقتصادية مصلحية نفعية.
أتمناها له بطيب خاطر بعد أن تسنـَّـم مقاليد السلطة المؤقـَّـتة قاطفاً ثمار نضالات كل من ثار وضحـَّـى وتحمـَّـل وعانى وقال كلمة حق عندما عزَّت الرجولة وصمتت البقية، لكن لا لسواد عيونه أبداً، ولا لهندامه الجديد، ولا كرمى زجاجة العطر الترامبية التي جرى تعميده بها في جرن البيت الأبيض الأمريكي.
أمنياتي له مشروطة ومحدَّدة بألا يدخل فيها إطلاقاً أن يصير مستبداً بنكهة فصائلية أخرى ومذاق طائفي مغاير، وألا ينجح في نهب ما فشل في نهبه سابقه، وألا يفرِّط بما تبقى من شعب يذوي ويتبدَّد، أو أن يلعب بذيله من خلف ظهر الشعب. وهي محصورة بأن يتوفـَّـق في إعادة الحقوق المهضومة إلى أصحابها، واستعادة العدالة المغيـَّـبة وإرساءها، ونشر السلم الأهلي المفتقد، وجبر القلوب المكسورة على ما فيه خير الجميع، وألا يفلت مجرم بجرمه من المحاسبة الدنيوية العاجلة فيترك إلى الآخروية الآجلة.
وكما ترون، فطلبي متواضع جداً، كما أنَّ قلبي في غاية الطيبة، فأنا مثلكم أريد عنباً، ولا يعنيني من أمر الناطور إلا أن يحرس العنب، وألا يعيث فساداً وتخريباً في الكرم، وليكن من يكون وعلى الهيئة التي يحب، ما دام سيقوم بما هو مطلوب من النواطير.
ولتعد عليكم ذكرى إسقاط الطاغية الهارب غداً وبعد غد وكلَّ عام وأنتم بأبهى مظهر وأحسن حال يا أبناء بلدي الطيبين الأكارم.