كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حول أربعينية الحسين

رسل جمال- فينكس

كل المصائب تبدأ كبيرة وتعصرها الايام حتى تصغر، فلا يمكن لحدث انساني ان يحتفظ بحرارته وعنفوانه  لمدة طويلة، والدليل ان حوداث التاريخ الجسيمة والشواهد الكثيرة  لن تصمد امام عوامل التعريه للدهر والسنون.
إلّا قضية الامام الحسين (عليه السلام) ظلت عصية على الزمن، فكلما تمر السنين القضية تنغرس أكثر وتضرب في اعماق و وجدان الامة، ويكثر المريدون لها من كل اصقاع الارض.
انتهت الزيارة الأربعينية للامام الحسين (عليه السلام)، وأعلنت الجهات الحكومية نجاح خطتها المعدة واعطت احصائية بعدد الزوار والبالغ عددهم  21 مليوناً و280 ألفاً و525 زائراً).
وهو عدد مهول تقف كبريات الدول عاجزة عن توفير أبسط الخدمات لهم.
إلا أن الزوار الأجانب والعرب يشهدون بل ويقفون بتعجب وفخر مما يلقونه من كرم الضيافة، وحسن الاستقبال وحجم الترحاب، وتوفر كافة الخدمات لهم التي تشمل المأكل والمشرب والمسكن وباقي الخدمات، التي قد لا تخطر على بال! أحد ومقاطع الفديو والنقل الحي لبعض القنوات، ولن ننسى دور الاعلام في نشر تلك الصور والملاحم المشرفة، وعلى رأسهم هيئة الاعلام العراقي، التي حرصت منذ البداية على تجنيد كوادرها لنقل الزيارة بابهى صورة ونقل تلك المشاهد التي لن تراها سوى على أرض كربلاء، والتي تمثل الكرم العراقي بأجمل صوره.
ان المنطق قد يفسر لنا نجاح الخطط الامنية، ولكنه يبقى حائراً عن تفسير نجاح الزيارة الأربعينية، وكيف لمدينة صغيرة المساحة ان تبتلع إحدى وعشرين مليون انسان بدون أن يشتكي أحد منهم!
هو أشبه بغزو ناعم وزحف يمر بسلاسة، ان الزائرين على اختلاف مشاربهم وألوانهم ومذاهبهم إلا أنهم يشعرون وهم يسيرون جميعا نحو نقطة واحدة، انهم اخوة حتى لو لم يتكلموا لغة واحدة!
ان الزيارة الاربعينية هي معجزة العصر بلا منازع، وهي صرخة السيدة زينب عليها السلام  (فوالله لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا) .
الصدفة لا مكان لها في قوانين الوجود، لذلك فإن أختيار الامام الحسين لكربلاء لم يكن محض صدفة، بل هي تقدير إلهي، لتكون هذه الارض مركزاً للناس ومنارة للبشرية.
فالحسين كان يبحث عن ارض تحتضن القضية، ارض خصبة ليزرع فيها ثورته حتى تفور كلما مر عليها الزمن!
يقال ان القضاء على جيل من البشر أو أمة من الأمم فإن الأمر لا يستغرق أكثر من (15_20) وهو وقت كاف للقضاء على جيل كامل من خلال ضرب معتقده الديني  وتفتيت كينونته الأسريه وتسخيف مبادئه التي يؤمن بها وزعزعة ثوابته وهزيمه قدوته وتسطيح أفكاره.
وهو بذلك يصبح لقمة سائغة للهجمات الفكرية وعبداً لها بل منقاداً لها كالقطيع.
وهذا ما يحدث في الأمم الميتة التي فقط الاتصال بمعتقدها الديني، أو لا تملك قدوة للاعتداد بها.
لذلك فإن الزيارة الأربعيينة تعمل كالتيار الكهربائي عالي الفولية في جسد الأمة، فهو يعطي شحنة كافية لاعادة برمجة افكارنا ومراجعة مسيرنا في الحياة وخط تقدمنا وتطورنا سنة بعد سنة. ومثل هكذا أمة لن تموت وفيها مثل الحسين.
وفي الختام نقول:
نحن قوم لا نعشق الخرافة ولا نعيش الوهم، كل ما في الأمر ان يعقوب عليه السلام شم ريح  يوسف فارتد بصيراً، ونحن نشم ريح الحسين فترتد لنا الحياة.