كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

خصوم الإنسان والمعركة المصيرية

البشير عبيد- تونس- فينكس

لا يعترفون بالهزيمة بل يواصلون تعنتهم وصلفهم وعشقهم للغنيمة.. عرفنا هذه الحقيقة جيدا من دفاتر التاريخ، وبإمكاننا أن نذهب بعيدا في التفسير وتاويل المقاصد... وحده الزمن بكل منعطفاته ومفارقاته وكوابيسه كفيل بكشف الآلاعيب والمخططات والمؤامرات... رغم كل شيء سنواصل السير على جمرات الواقع و لا يهمنا انهاك الجسد و الذاكرة... لابد من الخروج من النفق الكبير مهما تكبر التضحيات....
المدافع الجسور عن المشروع الوطني الديمقراطي بأفقه الاجتماعي لاترعبه الأساليب المنتهجة من قبل الخصوم، بل تزيده إصرارا على مواصلة الدرب العسير بعزيمة المقاتلين الشجعان وعقيدة المحاربين العاشقين لبهاء المعركة.....
لقد أثبتت التجارب عبر كل مسارات التاريخ القديم والحديث والمعاصر إن الشعوب الطامحة للتحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي، لاترهبها التضحيات الجسام والخسائر في الأرواح والممتلكات، بل تزيدها إصرارا وعزيمة على مواصلة المشوار والمسار المضني بإتجاه الحرية، هذه الحسناء الخارقة الجمال والبهاء والنبل الساكنة في أدمغة الأحرار....
ليس خافيا على أحد ان مشاريع التحرر الكبرى التي خاضتها الإنسانية التقدمية، لم تأت من فراغ، بل كانت بوصلتها المركزية في المعركة قيم العقلانية والتنوير ومناهضة الظلامية والذهاب بأفكار التقدم والمواطنة وعلوية القانون والأفق الإجتماعي للدولة الوطنية إلى الأمام مهما تكبر التضحيات في الزمان والمكان.
المهم في المعركة، هو الإيمان اليقيني بمشروعية الصراع مع كل الكيانات المتصادمة مع الإنسان، جسدا وروحا وقيمة مناهضة للاستبداد والإستغلال والتبخيس والسلعنة والتحقير....
يبدو ان الإنسانية في هذه المرحلة التاريخية المفصلية تمر بأحلك فتراتها على الإطلاق، ولعل وحشية المجازر والمذابح التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاصب النازي في غزة، وبإيعاز وتشجيع من القيادة السياسية والعسكرية الإمبريالية الأمريكية دليل واضح على هذا المسار الغارق في الظلام....
ليس هناك أي أفق للخروج من هذا النفق الكبير، سوى التحالف الموضوعي الذي فرضته الأحداث والوقائع بين القوى السياسية والمدنية المؤمنة بقيم التنوير والتقدم والعدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات لخوض معركة مفصلية ومصيرية مع القوى الإستعمارية بكل رمزية هذه في قاموس الفكر السياسي، هنا وهناك، في كل أقاليم المعمورة.
إن المنعطفات التاريخية الكبرى التي حدثت الإنسانية، لم تكن ثمرة صراعات هامشية، بل كانت نتيجة معارك حاملة لمشاريع كبرى في التحرر والإنعتاق ضد خصوم الحرية والعدل الإجتماعي وقيم التقدم وأنسنة المجتمعات خارج محددات الدين والعرق والإقليم واللون واللغة والطائفة....
ستبقى الإنسانية تدور في دوامة المتاهة، طالما ان القوى المؤمنة بأنسنة المجتمعات، لم تتوحد وتتكتل في جبهة واحدة ضد كيانات الإستبداد والإستغلال والعبودية المعاصرة.. فالغد تصنعه السواعد والعقول المستنيرة بعيدا عن الظلام بكل تعبيراته....