كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أكثر من قلب واحد...

بشّار منيّر- فينكس

كنتُ صبياً صغيراً حين سمعتها للمرة الأولى، أنشدها صديق لأخي الكبير.قصيدة لشاعر شاب، لكنه شغل الكثيرين مثلي في تلك الأيام. إنه الشاعر شوقي البغدادي.. تعرفتُ عليه شخصياً بعد ذلك، إذ صار يتردد إلى بيتنا، ويشارك في صالون كانت والدتي تقيمه كل شهر، وأصبح صديقاً للعائلة، وصرنا نلاحقه في الندوات التي يُدعى إليها كي نستمع إلى قصائده الجديدة، أما تلك القصيدة التي حفظتها غيباً في يفاعتي فهي (صدر مغلق) من مجموعته التي أصدرها في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وعنوانها "أكثر من قلب واحد" حين كانت سورية تقف صفاً واحداً في مواجهة حلف بغداد.. ومبدأ أيزنهاور.. وتحرشات الكيان الصهيوني.. ومطامع الأتراك وتحركاتهم العسكرية على الحدود.
لن أتطرق هنا إلى مسيرة شوقي بغدادي الشعرية، فأنا لست ناقداً أدبياً.. لكني أحببت أن أشارك أصدقائي بما بقي في الذاكرة من تلك القصيدة التي ما إن استرجع أبياتها، حتى تنتابني من جديد تلك المشاعر القديمة. حب الوطن.. النقمة على الأعداء.. الرِقة.. التضحية..
صدر مغلق..
وطني أحبك فوق ما اتهموا
فوق الذين لغوا وما علموا
أغلقتُ صدري دونه كذباً
وشدا بغير عقيدتي القلمُ
المدعون هواً وتفضحهم
خلواتهم والمطمع النهمُ
ولَكم تسيء إلى الهوى فئة
شادوه بالألفاظ واقتسموا
وطني أحبك صورة بزغت
كالفجر تهزج لي وتبتسمُ
بعين أمي أنتَ مختبئ
وبوجه أختي أنتَ مرتسمُ
ويضم وجهك كل زاوية
حي العتيق وبيتنا الهرم
وغداً إذا ازدحمت مواكبنا
نحن الشباب وصفق العلمُ
وشققتُ عن صدري القميص
وفي أعراقه البغضاء تحتدمُ
ومشيت للصنم القديم ولم
أعبأ بما شادوا وما احترموا
فبصقت فوق جبينه وهوت
ضرباتنا فتحطم الصنمُ
وطني أحبك لا للزهو بل شغفاً
أنا مؤمنٌ والكافرون همُ
والحب أنبل ما يكون إذا
باحت به عين وضنَّ فمُ
وطني أحبكَ لا ليرفعني
حبي ولكن تغلب الشيمُ
واليوم.. أما آن لصدورنا المغلقة.. وحناجرنا المعطلة.. وسواعدنا المتشوقة للفعل، أن تعلن للكون بأسره: إننا نحن السوريون لانطيق العتمه.. نحب الضياء، نريد لبلادنا مستقبلاُ يستوعبنا بتنوعنا.. واختلافنا، وتوافقنا، بعيداً عن الإرهاب والإقصاء، والاستئثار والتطرف بجميع أشكاله؟