كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مأساة أوديب

جورج شماس- فينكس:

هناك مثل يوناني قديم يقول بأنه لا ينبغي اعتبار أي شخص محظوظاً حتى يموت.
من أين جاء، أحد أحفاد الفينيقي قدموس ملك طيبة؟ كان لايوس ملكاً بدوره متزوجاً من إمرأة تدعى جوكاستا، رزق بطفل، ذهب لايوس ليستشير عرّافة في معبد دلفي بشأن ثروته، كان اليونان يستطلعون من المعبد النبوءات معتقدين أنه فيه أسرار العالم. كشفت العرّافة حينها أن لايوس "محكوم عليه بالفناء على يد ابنه"، جن جنونه، عاد إلى البيت ربط أرجل الطفل وأمر زوجته بقتله، لكن لم تستطع جوكاستا قتل فلذة كبدها، دعت جوكاستا خادماً لقتله بدلاً منها. وهذا بدوره لم يستطع، فأعطاه إلى أحد الرعاة.
يطلق الراعي على الطفل اسم "أوديب"، يقوم الراعي بإحضار الرضيع إلى كورنثوس، ويقدمه إلى الملك بيلوبس الذي لم ينجب أطفالاً، والذي قام بتربية أوديب ليكون ابنه.
هذا الملك كان سابقاً قد إستدعى لايوس بشبابه ليدرب إبنه في سباق الخيول، ولكن إبنه خطف لايوس و اغتصبه وبعدها إنتحر.
تربى أوديب في البلاط الملكي، وعندما أصبح شاباً بدأت الناس تقول عنه بأنه إبن غير شرعي للملك مما إضطره للذهاب إلى عرّافة دلفي ليسأل عن والديه الحقيقيين. تتجاهل العرّافة السؤال، وتخبره بدلاً من ذلك أنه مقدر له أن "يتزوج من والدته ويسفك بيده دماء أبيه."، في محاولة يائسة لتجنب هذا المصير الرهيب، يترك أوديب كورينثوس ويذهب إلى مدينة طيبة، ما زال يعتقد أن بيلوبس وميروب هما والديه الحقيقيان.
وهو في طريقه إلى طيبة التقى بشيخ وحاشيته تشاجرا على عربة من ستجتاز الطريق، فأودى بحياة الشيخ، أكمل طريقه إلى طيبة، في تلك الأثناء كان هناك وحشاً يلتهم أهل المدينة والمسافرين في حال عدم حل لغز كان يلقيه عليه:
"ما هو المخلوق الذي يمشي بأربعة أرجل في الصباح، وبرجلين عند الظهر، وبثلاثة في المساء؟" أجاب أوديب بذكاء بشكل صحيح: "الرجل" (باليونانية: anthrôpose) يزحف على أربع كطفل رضيع؛ ويمشي منتصباً برجلين في النضج، ويتكئ على عصا في الشيخوخة. فألقى الوحش نفسه بالهاوية و انتحر،
كانت مكافأة أوديب لتحرير طيبة من الوحش هي ملكيته للمدينة ويد الملكة الأرملة جوكاستا، بعد سنوات حل بالمدينة طاعون، فأرسل صهره إلى العرافة ليعرف السبب و عاد بالخبر.
هناك لعنة على أهل طيبة وستنحل عندما تكتشف من قتل لايوس، أقسم أنه سيكتشف القاتل مهما كلفه الأمر، إستعانا بعرّافٍ أعمى اسمه تيريسياس ليكشف لهم من هو القاتل، رفض إخباره ولكن بعد أن ضغط عليه، قال له أنت القاتل، وبعد بحث طويل جلب الراعي، وفعلاً أكد له أنه إبن لايوس إبن ذلك الشيخ الذي قتله على مفترق الطرق وزوجته هي أمه، أحضر السيف وذهب إلى أمه، زوجته ليستئصل رحمها ولكنها كانت قد سبقته إلى غرفتها شانقة نفسها فذهب مسرعاً ليفك الحبل من أعلى لتسقط الجثة، فأخذ دبوساً من فستانها على الأرض، فصار يخلع المشابك الذهبية التي تتخذها الملكة زينة لشعرها ليدفعهم إلى عينه وهو يصيح في حالة من اليأس أنه لن يرى شقاءه وجرائمه بعد ذلك. يتحدث أوديب إلى عينيه قائلاً:
"ستظلان في الظلمة، فلا تريان من كان يجب ألا ترياه، ولا تعرفان من لا أريد أن أعرف بعد اليوم، حتى لا ترى الشمس المقدسة إنساناً دنساً فعل أكثر الجرائم بشاعة.
وفي موقف مؤثّر سالت الدماء على لحيته البيضاء وبللت وجهه، وهو يلعن سوء حظه وجهله القاتل، نقطة التحول لدى أوديب هي الحقيقة التي أصرّ أن يعرفها، قال:
"واحسرتاه. واحسرتاه. لقد أستبان كل شي. أيها الضوء لعلي أراك الآن للمرة الأخيرة. لقد أصبح الناس جميعاً يعلمون. لقد كان محظوراً أن أولد لمن وُلِدت له. وأن أحيا مع من أحيا معه. وقد قتلت من لم يكن لي أن أقتله."
ومن هنا تأتي مقولة، قبل الموت لا أحد يجب أن يحكي عن حظه.