كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حرب العملات

محمد ابراهيم- فينكس

ظهرت العملات نتيجة تطورات اقتصادية اجتماعية فرضتها حاجات التعامل والتبادل السلعي، فهي وسيط بين أفراد ومجتمعات ودول.
كانت في البداية مواد أولية ومعادن، ثم ظهرت عملات ورقية ولاحقاً شبكات فبطاقات اعتماد، وصولاً إلى عملات رقمية.
تُسخّر لهذه الحرب بنوك ومصارف وصناديق متخمة بالعملات، وسلع ووسائل إعلام ومحللون اقتصاديون وسياسيون وقوى دبلوماسية وعسكرية جاهزة للانقضاض.
انطلقت حرب العملات أثناء الحرب العالمية الثانية، انتشرت مطلع خمسينيات القرن الماضي، تجذّرت عند ظهور نفوذ الدولار مدعوم بمقومات تجارية وصناديق مالية، وعند ظهور الولايات المتحدة الأمريكية كقوة بارزة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بوجود احتياطي هائل من الأموال والذهب وظهورها الدولة الدائمة الأولى في العالم، ففرضت نظاماً مالياً عالمياً محوره الرئيسي الدولار.
تفاعلت حرب العملات عام ١٩٧١ عند الفصل بين الذهب والدولار، واعتبار الدولار رافداً لقوى سياسية وعسكرية أمريكية، وعند ظهور عملات منافسة كالجنيه الإسترليني والفرنك الفرنسي والمارك الألماني والين الياباني وغيره. تفاقمت حرب العملات عام ١٩٨٩ مع ظهور اليوان الصيني كعملة تجارية لا غنى عنها، برزت هذه الحرب بشكل خطير عام ٢٠١٣ مع سياسات مالية لها علاقة بقيمة الصرف والائتمان، تغيّر قواعدها مع دخول اليوان الصيني إلى سلة العملات الاحتياطية العالمية في صندوق النقد الدولي عام ٢٠١٥ كعملة ثابتة تعزز حقوق التبادل التجاري والسحب والايداع والتحويل.
للعملات الحرّة أو الصعبة ركائز هامة من معادن مفيدة ونفيسة خاصة الذهب، ومواد أولية وموارد طاقة وسلع تجارية وتقنيات اتصالات وخدمات متنوعة.
تتذبذب العملات في صعود وهبوط عند دخولها في حرب وتنافس وعند خضوعها إلى عوامل جذب ونفر، ما ينعكس على قيمة صرفها في أسواق العالم مثل نيويورك ولندن وشنغهاي وهونغ كونغ وسنغافورة وطوكيو وموسكو وغيرها نتيجة عوامل كثيرة.
تحمل حرب العملات في طياتها أسئلة عن أدواتها وأسبابها ونتائجها، وتقدّم مؤشرات على نمو دول وعلاقاتها الإيجابية والسلبية. فعند دخول أيّ عملة في اتفاقيات تجارية ونقدية ينبغي أن يكون لها ركائز وغطاء و إلاّ تُفرض عليها قيود في التعامل بها، ما يجعلها خاضعة للثبات أو اختلال ميزانها وفقدان قيمة صرفها.
ومن الأسباب التي تحقق ذلك وتفعّل حرب العملات:
- ارتباط الدولار بمؤتمر بريتون وودز وبمصطلح البترو دولار وبمقومات سياسية وعسكرية ومالية وصناديق دولية والجات، ووجود قيود على التعامل بالعملات داخل الدول وخارجها، وارتباط ذلك بقدرة الدول على فرض عملتها اقليمياً وعالمياً في البيع والشراء والسحب والايداع.
- نهب الموارد والتلاعب بأسعارها، ما يجعل دولاً نامية وعملاتها عاجزة عن ضبط هياكلها الإنتاجية، وخضوع سلع وأسواق تجارية إلى شروط مستثمرين وشركات، وما يرافق ذلك من عدم ائتمان وتخبّط القرار السياسي والاقتصادي، بالتالي تخبّط العملات وقيمة صرفها تجاه الدولار أو غيره.
- دخول عملات صعبة في تنافس على الأسواق والأسهم وسندات الخزينة وموارد الطاقة وسلع تجارية وغذائية وأصول مالية تعزز التنافس السياسي واالقتصادي و الديني، ما يؤثر على أوضاع دول ومجتمعات كالولايات المتحدة التي قامت على الحروب ولن تستطيع الدخول في حروب، فحالها يدعوها للانسحاب من جبهات القتال والبديل حروب العملات والتجارة.
- استخدام عملات صعبة كقوى ضاغطة لدفع دول نامية إلى التهميش والاندماج في الاقتصاد العالمي عبر ظاهرة المديونية والتضخم النقدي بالتزامن مع صعوبة تأمين حاجات أساسية للشعوب.
- فرض رسوم جمركية جديدة على سلع تجارية بين دول كبرى ونامية، والتأثير المباشر وغير المباشر على العملات العالمية.
- سعي بنوك ومصارف للتعامل بعملات رقمية وجمع معادن نفيسة كاحتياطي نقدي يدعم قيمة صرف العملات الصعبة، ما يسهّل حرب العملات لارتباطه بتلك المعادن خاصة الذهب.
- التداخل والتنسيق بين أصحاب بنوك وصيارفة العالم متعددي الأديان لاختصار الزمن والسيطرة على العالم وضرب أيّ نظام مالي ومصرفي يشكّل عقبة آنية أو مستقبلية لهم، مهما كان تلازم هكذا نظام مع الرأسمالية العالمية.
- نجاح دول طامحة في احداث إصلاحات وتعديل قوانين مالية وتغيير قواعد النظام المالي العالمي عبر عملات وصناديق وقدرات إنتاجية وتصويتية وتوزيع حصص ودفع أطراف متضررة إلى فرض رسوم جمركية لضبط التنافس والحصار معاً وتراجع قيمة عملات دول منافسة، وانعكاس ذلك على الإئتمان المالي خاصة على الأموال التي سُددت ثمن سندات خزينة أمريكية.
- التضخم النقدي ورفع الفوائد ونقص السيولة وارتفاع أسعار السلع التجارية وتراجع سلاسل التوريد، بالتزامن مع سعي دول لتعديل النظام المالي العالمي الحالي من أجل استمرار حصار عواصم لا تدور في فلك واشنطن.
- التلاعب بقيمة الذهب والنقد وفرض سياسات مالية هدفها الأبرز استمرار احتفاظ عواصم كثيرة بالدولار كعملة ادخارية واستثمارية وتجارية. - نجاح دول في جمع احتياطي نقدي بالدولار أو غيره مثل بكين، وتحقيق أرباح مالية وتجارية تساهم في توسيع أنشطة مصارفها واستثماراتها وثبات عملتها وضبط الفوائد وزحفها الى المربع الاقتصادي الاول عالمياً، ما يمنع ثبيت الدولار كعملة تجارية ادخارية كالذهب.
- طباعة تريليونات الدولارات بدون تغطية نقدية واستثمارها في شراء أسهم وأصول مالية في أسواق متطورة ورابحة سواء في دول صاعدة أو نامية، ما يحقق أرباح طائلة للدولار، فإذا كان الدولار يعادل ٥٠٠ ليرة سورية يمكن شراء سلع بمائة دولار (قيمة طباعتها خمسة سنت) ما قيمته ٥٠٠٠٠ ليرة سورية.
- انكشاف أوضاع واشنطن المالية والدولية وبنائها شراكة بين إدارتها وقوى اقتصادية وسياسية جديدة لايهام الدول بقدرتها على حل المشاكل الدولية. لكن طالما هي عاجزة عن مساعدة امريكيين مشردين وجوعى وعاجزة عن ضبط حدود المكسيك.. فكيف لها بمساعدة غيرها؟!
- سعي واشنطن للفوز بحرب العملات ان لم يكن مع بكين فعلى جبهات موسكو وبروكسل ودول مجموعة العشرين.
فحرب العملات جزء من حروب اقتصادية وسياسية ودينية وإعلامية وتقنية وفضائية، حرب ستغيّر العالم وتجعله منقسم أكثر، كونها حرباً ناعمة تُفقد الإدارات والمؤسسات والهياكل الإنتاجية قيمتها بدون هبدها ودمارها كما يحدث في الحروب العسكرية مع أن النتيجة واحدة وهي قدرة القوي على التهام الضعيف وحرمانه من موارده وخضوعه إلى شروط الأقوى.