كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

وكان أن عاد بعض بعض ذاك النور إلى ذاك النور كله

 باسل علي الخطيب- فينكس

كنت في البيت، عندما هزت أركان الحارة أصوات متتالية مرعبة، أحسست أن قلبي انخلع من مكانه، هرعت إلى الشرفة كما هرع غيري إلى شرفة بيته، سمعت بعض الصراخ من بعض البيوت، ورغم العتمة استطعت أن ألمح بعض الهلع والجزع على الوجوه.....

إنه عدوان صهيوني....
هذا ونحن على بعد عشرات الكيلومترات من موقع العدوان، شعرنا بالهلع للوهلة الاولى، فكيف من هم في ذات المكان؟...
ولكن في ذات المكان كانوا هناك في عرباتهم، ولم يغادروها، كانوا في عرباتهم يناظرون الصواريخ الصهيونية، ويتصيدونها بصواريخهم....
هؤلاء وقد صدوا الدفعة الأولى من الصواريخ، بقوا في عرباتهم متأهبين، ماهمهم أنهم قد يكونوا المستهدفين في الرشقة الثانية، وكان أن أنزل الله على قلوبهم سكينته.. في تلك اللحظة كانت الشهادة قراراً وليس قدراً فحسب....
في تلك العتمة والعيون تناظر السماء، كانت وكأنها ترقب ذاك النور إياه، ينادي بعض بعض النور أن يعود إلى كله، وتمر في المخيلة كل تلك الصور، عكازة الأب، وقد أقسم كل منهم أن يكون عكازة أبيه حتى الممات، وابتسامة تلك الأم الغالية وقد أقسم كل منهم أن لا يجعل تلك العينين تدمعان، وشقاوة تلك الطفلة، وصوتها: بابا، بابا، وهي تتراقص حوله.... وعيني تلك الغالية، وقد رنت بنظرها إلى الأرض حياء.. أحبك.....
كل ذلك جعلهم يتشبثون في مقاعدهم اكثر، لن يمروا......
نعم، في تلك اللحظة، كانت الشهادة قراراً، وليست قدراً فحسب...
يتناول بعضهم قصاصة ورق، يكتب عليها على عحل، يكتب وبعض العين على الشاشة، وبعضها على الورقة، يكتب وبعض اليد على الزناد، وبعضها يجاهد ليخط الكلمات... تتبعثر الكلمات على الأسطر، هي ليست إلا قصاصة، ولكنها كأنها وصية، لاتستطيع أن تقرأ من تلك الخربشات إلا كلمة واحدة.......
لا تصالح.....
هاهو صاروخ يلوح على الرادار، استنفرت العقول، اتقدت العيون، يتم حساب احداثيات التلاقي، ومارميت إذ رميت.....
هاهو الصاروخ الصهيوني يتهاوى، وتلوح كل تلك الابتسامات الجميلة الجميلة على تلك الشفاه، هاهو صاروخ ثاني، الرجال الرجال في أماكنهم، اللهم صلي على محمد و آل محمد، يليه صاروخ آخر، تتسارع دقات القلوب، تتقد العيون أكثر، و إن عدتم عدنا، يتهاوى الصاروخ الثاني والثالث....
يلوح صاروخ آخر، دعه لي، يصيح أيهم، هو لك، يقول أحمد، لن أحرمك هذه المتعة، الصاروخ يتهاوى، العيون تتراقص فرحا"، نريد (الحلوان)، لكم ذلك، يقول أيهم، كان يشعر أن فرحته بإسقاط اول صاروخ له تعادل فرحته بولادة ابنه البكر....
تتوالى الصواريخ، هذه رشفة من مجموعة صواريخ، الرجال في أماكنهم، قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ماتعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد... صواريخ الصهاينة تتهاوى، ولكن عددها كبير... أبالقتل تهددني يا ابن الطلقاء؟.. إن الموت لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة.....
يفلت أحد الصواريخ، وكأنه يتجه إلى عربتهم، ليست إلا ثواني ويصيب العربة، تتقد العيون أكثر، وتكبر الابتسامة على الشفاه، ينظر الكل إلى الكل، السلام عليكم،... السلام عليكم، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.....
يصيب الصاروخ العربة.... إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم أن لهم الجنة، يقتلون في سبيل الله، فيقتلون ويقتلون، وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى ببيع الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذاك هو الفوز العظيم....
في تلك اللحظة، وفي قرية لاتبعد كثيراً عن مكان العدوان، وكأن (نخزة) ما أصابت قلب إحدى الامهات، ينظر إليها الأب بجزع ويسأل، مابك يا ام فلان..؟ ترد، لا ادري، وكان وجه ابننا قد مر أمام ناظري.... ينظر الأب إلى الأفق، يرى أضواء متقطعة ترافقها اصوات قوية، لا أعرف ولن أعرف ولن تعرفون، كيف عرف ماحصل، أعرف إن دمعة لاحت في مقلتيه، السلام عليك يا ابني، السلام عليك يوم ولدت، السلام عليك يوم استشهادك، والسلام عليك يوم تبعث حيا...
وكان أن عاد بعض بعض ذاك النور إلى ذاك النور كله.....