كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان

فادية مجد- فينكس:

"وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان" هذه الأغنية الجميلة للسيدة فيروز، والتي كلما سمعتها تعود بي الذاكرة الى سنوات الجامعة، عندما كنت في السنة الثالثة، والتقيت مصادفة بزميلة تدرس معنا في القسم نفسه من قرى مصياف. خلال تقديمنا لمادة امتحانية، تبادلنا الأحاديث، وعرفت من كلامها أنها كانت تحضر حلقات البحث فقط، بينما تدرس النظري في بيتها، فلما سألتها مستغربة عن السبب، أجابتني بأنها لا تستطيع أن تترك طفلتها بيلسان لوحدها، فهي طفلة بعمر ثلاثة أشهر، تفاجأت بكلامها، وابتسمت وقلت لها: بيلسان ماهذا الاسم الجميل، أكيد تحبيني زهر البيلسان يازميلة؟
فقالت لي، وقد لمحتُ سعادة في عينيها لسؤالي لها، وكأنها تريد أن تخبرني عن سر جميل وعشق لاتستطيع إخفاؤه: أعشق أغنية (وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان)، ألا تعرفينها، بل ألم تسمعيها لفيروز؟ هي أغنية جميلة جدا..
فقلت لها: لا... أتغنيها فيروز؟
فقالت: نعم فيروز تغنيها... اسمعيها اليوم ومتأكدة أنك ستحبينها مثلي..
سنوات مضت، وكلما سمعت تلك الأغنية، أبتسم و أتذكر تلك الزميلة التي نسيت اسمها، ولكن أتذكر أنني أطلقت عليها بيلسان، وأصبحت تلك الأغنية من أغنياتي المفضلة لفيروز، ربما لأنها ارتبطت بقصة، وتلك الزميلة رغم عدم صداقتي لها، هي في ذاكرتي التي لاتنسى ملامحها رغم مرور السنوات، وأتحدث عنها كلما سمعت تلك الأغنية.
وبالعودة لكلمات الأغنية، وبقراءتي عن قصة الأغنية
والتي كتبها الشاعر اللبناني طلال حيدر ولحنها زياد الرحباني، تلك الأغنية التي لا يعرف قصتها إلا القليلون.
والتي تتحدث عن أن الشاعر الرومانسي طلال حيدر اعتاد أخذ قهوة الصباح من شرفة منزله المطلِّ على غابة جميلة، يستقبل بها نهاره بمزاج عالٍ ويتفاءل بالسعادة.. وكان لا بدّ له من توديع شمس لبنان برشفات من قهوة طيّبة عند الغروب طالما سنحت له الظروف.
ولفترةٍ لفت انتباه الشاعر (طلال) حضور ثلاثة شبّان صباح كلّ يوم بتوقيت تناوله قهوته إلى الغابة وخروجهم منها مساءً، وبعد أيام انتبه الشبان إلى نظرات طلال فراحوا يحيونه كل صباح، وإن رأوه مساءً ودّعوه بتحية لطيفة بادلهم إياها متسائلاً بصمت.
وكبُر التساؤل في نفس الشاعر (طلال) الذي قرّر أن يكسر صمته فيكلمهم علّه يعلم سرّ العلاقة مع غابة قريبة من منطقة الحدود.
وفي صباح لطيف النسمات ألقى الشبان التحية على طلال، الذي تردّد في أن يفاتحهم بتساؤله، فأرجأه إلى المساء عازماً على المكوث بعد العصر، مترقباً مراقباً محضّراً الكلام ومهيّئاً نفسه لما قد يفاجئه ومحيطاً نفسه بشيء من الفرح ظنّه سيشبع فضوله غير التطفّلي.
غابت أجساد الشبان بين أشجار الغابة وسافر طلال بخياله وتصوراته عما سيصل إليه عند الغروب بعد تحدّثه معهم وهم خارجون.
انتظر طلال غروب الشمس بترقّب وأفول الضوء بشوق لقهوة مختلفة حملها بيديه إلى الشرفة وراح يثقب بناظريه عتمة تتزايد مع تزايد تضييقه حدقتين استنفرتا في التواصل مع جملة عصبية انشدّت أوتارها مع ظهور بوادر الخوف المشوب بالحذر والملون بالمزيد من الفضول.. ما السرّ في هذا الأمر؟.
عتّمت الغابة وغابت جميع الأصوات ما عدا بعض الصرير أو العواء أو حفيف أوراق الأشجار بفعل الريح.. ودخل طلال غرفة نومه.. إلا أنه ما استطاع النوم تلك الليلة.
قلقُ طلال استمرّ عدّة ايام ولم يصارح أحداً بالموضوع، إلى أن قرأ خبراً في صحيفة يفيد بأن ثلاثة شبّان فلسطينيين تسللوا الحدود وقاموا بعملية فدائية وسط "اسرائيل" استشهدوا فيها، وكانت صور الشبان الثلاثة معروضة، وهنا تمكن الشاعر طلال حيدر من التحقق من وجوههم التي حفظها خلال أيام التحضير للعملية ومرورهم تحت شرفة بيته.
تأثّر الشاعر الكبير بالحدث والحكاية، فكتب للشبان قصيدته اللطيفة التي غنّتها السيدة فيروز فأحببناها.
وحْدُن بْيبْقوا
مِتِلْ زهْر البيلســان
وحْدُن بْيقِطفوا وْراق الزّمان
بيْسكّروا الغابي
بيضَّلهُن متل الشتي يْدقّوا عَلى بْوابي
عَلى بْوابي
يا زَمــــان
يا عشِب داشِر فوق هالحيطان
ضوّيت ورد الليل عَ كْتابي
برج الحمام مْسَوّر وْعـالي
هجّ الحمام بْقيْت لَـحـالي لَحالي
يا ناطْرين التّـلج
ما عاد بدكُن ترجعوا
صرِّخْ عَلَيهُن بالشّتي يا ديب
بَلْكي بْيِسْمَعوا