كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الهوية والانتماء

مروان حبش- فينكس:

تبقى مسألة الهوية القومية وما تطرحه من إشكاليات من المسائل الأكثر استقطاباً للجهد التنظيري، والأكثر جدلاً حول ماهيتها وتأكيد ذاتها، ولقد تناولتها، في الوطن العربي التيارات الفكرية والأحزاب السياسية.....

الهوية حركة انتاج مستمرة، والنابض الأساسي لهذه الحركة هو حس الهوية الذي يبدأ بالتعاطي مع اللغة التي هي الانفتاح على الوجود، وهي الممكن الذي لا حد لمرونته وسيولته، والـ(نحن اللغوي) هو الهوية في صورتها العفوية، لأنه الشعور القومي بالانتماء في صورته الأساسية.
إن العروبة هي الهوية الثقافية الجامعة، و أن للغة دوراً في تكوين الهوية، لأنها (اللغة) جهاز توليد الثقافة وهوية كل مجتمع تتأسس على لغته، والثقافة تنتج من خلال اللغة، وهكذا.... تسمى هوية كل مجتمع باسم لغته، باستثناء المجتمعات التي فرض عليها الإستعمار لغته. وبذلك تكون الهوية هي الصيغة الثقافية التي تبني مجتمعنا، والثقافة بالنسبة للهوية العربية هي نظام من القيم كالأسطورة والشعر الجاهلي والأديان التوحيدية والأيديولوجيا الحديثة و.....، وهي هوية حية تنتج بشكل مستمر لذاتها بحيث لا تتخلف عن المعاصرة أبدا.
إن النموذج الثقافي هو هوية المجتمع التي تصون وحدته وتوجه مصيره أي (امكانيات بقائه أو مستقبله)، و هي حارس المصير الاجتماعي.
تتكون هوية المجتمع في المجابهة والصراع لأن وظيفتها الأساسية أن تصون مجتمعها في وجه القوى التي تعمل على احتوائه، ومن ناحية أخرى فإنها (الهوية) تتكون من خلال الحوار مع ثقافة الآخرين وتمثلها وتحويلها إلى ثقافة مماثلة لنسيجها الذاتي، أي أن الهوية في علاقة ثنائية مع الآخر، علاقة صراع وعلاقة تمثل وتعلم، إنها (الهوية) تتكون في حركة مزدوجة: اقتراب من الآخر، ونفي واستبعاد هذا الآخر و تأكيد الذات، والهوية ليست صيغة نظرية مجردة بل هي امتداد الشعور بالذات، وهي انتاج تاريخي مبني على معطى أساسي هو الشعور القومي الذي تعكسه اللغة. وهذا ما كانته سيرورة الهوية العربية المعاصرة للخروج من مرحلة عصر الانحطاط، انطلاقاً من أن الهوية صيغة ثقافية، وإنتاج الثقافة عملية مستمرة، وأيضاً، فإن الهوية لها طابع تاريخي يتعايش فيه القديم مع الجديد.
تنزع الهوية إلى أن تستكمل وجودها الثقافي بالوجود السياسي، لأنها (الهوية) هي المجتمع نفسه وهو يعمل على إنتاج ذاته، ولذلك كانت القوة السياسية للهوية هي قوة المجتمع وهو يعمل على استعادة سلطته.
إن المجتمع المحروم من حق ممارسة سلطته السياسية هو مجتمع متوقف عن إنتاج الهوية، وتصبح هويته تراثاً قديماً ينسب إلى الماضي بدل النموذج الثقافي الذي يضيء المستقبل، بينما المجتمع الذي يمارس سلطته السياسية يكون حس الهوية عنده في حالة نمو، وهو مجتمع يبعث لغة، ويصنع تاريخاً، ويكون مجتمعاً.
إن انتصار المجتمع على سلطة الحكام يرسّخ مبدأ العقد الاجتماعي الذي يصونه من الطغيان الفردي الاستبدادي، وتصبح الديمقراطية تقليداً ثابتاً، ويصبح المجتمع مصدر السلطة التي تدير شؤونه.
إن الهوية العربية حيث المجتمع محروماً من ممارسة سلطته السياسية، في تراجع، وهذا الوضع غير المتكافئ بعد أن مهد الحكام المستبدون و وفروا كل المعطيات لصالح الهويات الجزئية (دينية، طائفية، إثنيات صغيرة...) أصبح الوجود العربي نفسه مهدداً، لأنه في حالة استلاب، أي مجتمع محروم من الوعي كما يعرف عالم الاجتماع الفرنسي (آلان تورين) معنى (الاستلاب). ويهيمن هذا الاستلاب حين يتوقف انتاج الهوية الاجتماعية بسبب الاقتداء بالغالب (سلطة المستبد) والتبعية له، وتبني الأيديولوجيا التي قهرته، وتصبح هوية له.