من سيقع في "فخّ دونباس"؟
2022.02.23
أحمد حسن- فينكس:
عملياً اكتمل بناء "فخّ دونباس"، وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي "البنّاء" الأكبر له عبر تحرّشها الدائم بروسيا ومحاولة تطويقها بدول "الناتو" -"التجربة الأوكرانية" الجديدة تندرج في سياق الموجة الخامسة من موجات توسّع الحلف في الآونة الأخيرة- إلا أن روسيا بدورها ليست بعيدة عن المساهمة في بنائه أيضاً، لذلك يبدو أن سؤال "المليون" اليوم هو: فخّ لمن؟ فالجميع، بغضّ النظر عن قدرتهم وقوّتهم وأهدافهم وأطماعهم، يدورن اليوم حول فوهته.
تاريخياً هذا صراع دائم بين روسيا والغرب وبالتالي هذه مجرد جولة في مواجهة جيوسياسية دائمة بينهما. الجولة الأشهر خلال الحرب الباردة كان جدار برلين هو خط تماسّها الرئيس، بخسارة الاتحاد السوفياتي للحرب الباردة وتفكّكه، تراجع "الخط" ليصبح، في أحد نقاطه، أوكرانيا، ومع "يلتسين" كاد أن يصبح موسكو ذاتها. طموح "بوتين" هو إبعاده قدر الإمكان، وهنا يأتي موقع ودور "فخّ دونباس" حيث الفشل "البوتيني" فيه يعني تطويق روسيا بالدول التابعة للحلف الغربي. تاريخياً، أيضاً، روسيا تنهار في الداخل حين تخسر نفوذها في الخارج.
هنا تحديداً يمكن القول إن اعتراف موسكو باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك وإن كان يبدو، ظاهرياً، كفعل دفاعي، إلّا أن نتائجه ومدلولاته -في عالم اليوم حيث تتدهور القوة الأمريكية- هجومية بالمطلق، فهو، من جهة أولى، مطالبة علنية بتغيير الوقائع الجيوسياسية التي نجمت عن تفكّك الاتحاد السوفياتي، وإن ليس بالعودة إلى صورته السابقة، وهو، من جهة ثانية، محاولة ناجحة للتقليل من الأهمية السياسية لأوكرانيا المقسّمة للأطلسي، وأيضاً وضعه أمام معضلة قانونية، "إذ ليست ثمّة سابقة تاريخية حتى الآن، جرى فيها قبول دولة لديها مشكلة حدودية غير مستقرّة، داخل الحلف"، وبالتالي قد لا يكون انضمامها ممكناً إلّا بحرب ناجحة ضد روسيا، أو بتغيير الناتو لقوانينه الداخلية، والحالتين دونهما الكثير من العقبات كما أن لهما تبعات مستقبلية خطيرة.
بالمحصلة، بوتين رسم، بخطوته الأخيرة، الخطّ الفاصل الذي يبدو أن الأزمة الأوكرانية ستنتقل منه إلى مرحلة أخرى تبنى على قواعد واتفاقات أخرى، فالحديث عن "اتفاقيات مينسك"، و"صيغة النورماندي" أصبح، بالضرورة، من الماضي.
لكن من سيتضرر من كل ذلك؟ أوكرانيا، بالطبع، هي المتضرر الأول والأكبر، وخارج الإعلام لن تجد، في الخارج، من يبكي عليها، فلقب "الضيف الملك"، الذي أطلقه الغرب على الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" أثناء حضوره مؤتمر ميونيخ للأمن، لم يكن انبهاراً به أو وصفاً لعمل بطولي أنجزه، بل مجرد فخّ كلامي جميل ليستمر فيما هو مطلوب منه، والرجل بتركيبته الإنسانية جاهز لذلك، وقد كانت "نيويورك تايمز" لمّاحة لهذه الفكرة حين وصفته بـ"رجل الاستعراض" الذي يتعامل "مع كل شيء كجزء من عرض. فاللفتات بالنسبة إليه مهمة أكثر من التداعيات. ويتم التضحية بالأهداف الاستراتيجية من أجل منافع قصيرة الأمد".
بدورها ستكون أوروبا متضرراً كبيراً أيضاً، سواء وقعت حرب كبرى أم لا، فإذا كان القصف "الكلامي التمهيدي" قد ألحق بها ضرراً مباشراً جرّاء ارتفاع أسعار الغاز والنفط إلى أعلى وتلك ضربة اقتصادية مؤثرة، فإن تحوّل "التمهيد" إلى حرب فعلية سيجعل الخسائر أكبر لأن "جغرافيتها" ستكون مسرحاً للحرب، دماراً وتخريباً، موسكو بدورها ستدفع ثمناً ما -وإن كان المسؤولون فيها يقولون إنهم يتوقعونه وإنه أقل من ثمن الرضوخ "لأطلسة" أوكرانيا-، واشنطن ستخسر إن صمتت على الخطوة الروسية ولم تقع الحرب، وستخسر أيضاً إن وقعت ولم تفز بها.
خلاصة القول، هذا فخّ للجميع، لكن المفارقة فيه، وما لا يجدر بنا تجاهله -وإن كان المجال لا يتسع للخوض فيه- أنّه فرصة لـ"اقتصاد الحرب" ولكارتلات السلاح، على ضفتي الاشتباك، للربح، فالحرب، أو مجرد التلويح بها، هي نافذة إنقاذية للرأسمالية، وهي أسلوب حياة ناجع أيضاً، وربما قد يكون هذا سبب بناء هذا "الفخّ".