كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بكفالتي.. حكاية حقيقية

أحمد غانم:

كانوا اربعة اخوة في المهجر من قرية حينا القابعة في سفوح جبل الشيخ. وبعد ستة اشهر تقريبا من الحدث وصلتهم رسالة من الوطن تفيد ان والدهم قد توفي. وفي هذه الحالة يكون العشب قد نما على دمنته وربما لم يعد احد يرى مقره الدائم. اجتمعوا مساء وتبادلوا نظرات كئيبة. وبدون اتفاق معلن احضر كبيرهم برميلا صغيرا من النبيذ ثم اخذوا يتبادلون الانخاب بصحة والدهم المتوفى. وبعد منتصف الليل كانوا قد اتوا على برميل النبيذ بكامله. وحتما كانوا يتمنون لو انه عرق مقطر بيانسون قرية حينا الذي يفوق بجودته اي يانسون في العالم كله لانه ابن الثلج والنظافة.
تبادلوا النظرات من جديد ودون كلام وقفوا. امسكوا بايدي بعضهم. واخذوا بالغناء والدبكة. ومن البرازيل الى التشيلي حتى الارجنتين وكولومبيا كان لوقع اقدامهم ما يشبه هدير اقدام الخيل ولغنائهم صهيلها تارة وكأنها في ساحة سباق وتارة اخرى في معركة. وكانوا يرددون مع اخيهم الاكبر حنا الاغنية الشهيرة وكأنها تلخص واقعهم:
على دلعونا وعلى دلعونا
بي بي الغربة الوطن حنونا.
ثم يأتي الرد بعد نهاية الدورة الاولى من اليأس وكأنه يحكي سبب هجرتهم:
عيني مويل الهوى
عيني موليا
طعن الخناجر ولا
حكم الندل فيا.
ثم رددوا وعلى ايقاع هادئ مع سمير توكيدا وتأكيدا:
امي يا امي شعلت الناري
وراحت تركيا تلم الاجباري
ان اخدوا خيي ويلي وشحاري
وان اخدوا حبيبي تعمى العيونا.
ونوعا من تغيير الجو ولاعطاء الدبكة زخما رددوا بصوت بهيج عال:
فيا منديلك فيا
من زحلة لطبريا.
وانتهت السهرة صباحا مع ترنيمة باسيل:
بيلبقلك شك الالماس ع دروب دروب
اخدوا حبيب قلبي مني وخلوني ادوب.
بعد كل هذه الحفلة جلس الاخوة واخذوا بالبكاء في انتظار شروق الشمس. ولم يرتووا من البكاء حتى ما بعد مغيبها.
وبعد التدقيق في الحكاية التي تعود لعام 1910 تبين لي انها حقيقية. ولكن مالم اجد له تفسيرا هو انهم ما زالوا يشربون النبيذ يوميا ثم يدبكون بعدها ويتلوا ذلك بكاء مراً لم يتوقف حتى اليوم.