كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الشيخ تاج

صفوان زين- فينكس:

صديقي المقيم في ألمانيا بلا انقطاع منذ العام ١٩٥٧ أتانا الخريف الماضي في زيارة نادرة إلى مسقط رأسه اللاذقية. كانت فرصة لا تُفوَّت كي نستعيد سويّاً ذكرياتنا المشتركة القديمة جداً التي تعود إلى بداية مراهقتنا في مطلع الخمسينات من القرن الماضي.
ذكّرَني خلال أحد لقاءاتنا بالألقاب التي كنا نطلقها على بعضنا البعض استيحاءً من مواقفنا السياسية ومن إسقاط هذه المواقف على أسماء بعض الشخصيات التي لعبت دوراً في تاريخنا الحديث.
أعاد تذكيري وكنتُ قد نسيتُ ذلك بالمرة بلقب الشيخ تاج الذي أطلقوه عليّ في منتصف الخمسينات عندما كنّا طلاباً في البكالوريا غارقين في التحضير للامتحان المصيري من جهة وفي متابعة الصراع الحزبي والسياسي المحتدم الجاري في سوريا في أعقاب عودة الحريات السياسية بعد انقلاب شباط ١٩٥٤ من جهةٍ أخرى. أما لماذا الشيخ تاج فلأنني كنت في موقفي مما يجري من أحداث كالطائر الذي يغرد خارج سربه، معظم رفاقي وأصدقائي كانوا يتابعون بحماس وشغف افتتاحيات أحمد عسّة في صحيفة الرأي العام السورية 'التقدمية' المليئة بالإثارة والتحريض في حين كنتُ أتابع وحيداً أو شبه وحيد افتتاحيات كامل مروّة في صحيفة الحياة اللبنانية 'الرجعية' المشبعة بالرصانة والتعقّل، هكذا كان تقييمي لافتتاحيات الصحيفتين وقتذاك وهكذا كنت أصفهما لأصدقائي وهكذا أتاني (طبعاً على سبيل الدعابة) لقب الشيخ تاج بوصفه عنواناً للخيانة والعمالة (هو الشيخ تاج الدين الحَسَني السياسي الدمشقي الذي تعاون مع الفرنسيين زمن الانتداب، عُيّن اربع مرّات رئيساً للحكومة بين عامَي ١٩٢٨و ١٩٣٦، ورئيساً للجمهورية في العام ١٩٤١ وحتى وفاته في العام ١٩٤٣).

أخبرتُ صديقي القادم من ألمانيا والمنقطع عن سوريا والسوريين منذ سنوات عديدة بأن قراءة جديدة تجري اليوم للشيخ تاج بوصفه واحداً من أكثر الرؤساء نزوعاً إلى الاصلاح والتجديد في تاريخ سوريا المعاصر. 'السياسة هي فن الممكن'، هذه المقولة الشهيرة ليست بطبيعة الحال للشيخ تاج و لا أعرف لمن تكون، ربما لمكيافيللي، ولكن ما أعرفه جيداً ان كل من عمل بوَحيِها من الساسة العرب قد اتُهم يوماً بالعمالة والخيانة.

أخشى انطلاقاً من المقولة الآنفة الذكر ان تذهب القراءات الجديدة بعيداً في تبييض صفحة مرحلة بكاملها وتسويد صفحات ما تلاها من مراحل بحيث ينتقل المشجب الذي اعتدنا أن نعلق عليه خيباتنا وإحباطاتنا من ضفة إلى أخرى معاكسة للأولى تماماً، ودوماً انطلاقاً من نظرية المؤامرة المنغرسة في عقلنا السياسي.